قبل اندلاع الحرب الأهلية السورية المستمرة، لم تُعتبر "القوات الجوية العربية السورية" يوماً عنصراً أساسيّاً في الجيش السوري، وعادةً كان "سلاح الجو الإسرائيلي" يتفوق عليها، فيما يقتصر تجهيزها بشكل أساسي على أسطول قديم من الطائرات العائدة للحقبة السوفياتية، وبالتالي لم تكن تعتبر لاعباً مهمّاً في المشهد العسكري الإقليمي، بيد أن الحرب غيرت ذلك فبدت "القوات الجوية" تتمتع بدور بارز في الصراع على الحفاظ على نظام الأسد، ومنذ ربيع عام 2012، أصبحت العمليات الجوية عنصراً استراتيجيّاً في النزاع، حيث أتاحت للنظام ضرب أي منطقة في البلاد من دون أي عقاب تقريباً، مما ساهم في فشل المعارضة في تعزيز سيطرتها على الأراضي ودَعَم مجموعة كبيرة من العمليات العسكرية. وفي هذا السياق، انخرطت "القوات الجوية السورية" في بعضٍ من أسوأ الهجمات التي شنها النظام على المدنيين، وبسبب الدور المركزي لهذه القوات في الحفاظ على النظام وفي انتهاكات حقوق الإنسان، أصبح من المبرر منطقيّاً وأخلاقيّاً أن تكون هدفاً لتدخل أجنبي، سواء كان ذلك عن طريق عمليات جوية مباشرة يشنها الحلفاء أو بتعزيز المساندة للمعارضة.

Ad

السياق العسكري

بعد أن أُنُهك الجيش النظامي في حرب استنزاف، أصبحت "القوات الجوية السورية" أكثر أهمية، وتشكل هذه القوات عنصراً جوهريّاً في القوة النارية للنظام، وتمثل قدراتها إحدى أبرز نقاط عدم التكافؤ في الصراع، فالعمليات الجوية تشكل وسيلة رئيسة لاستنزاف قوات الثوار والتسبب في خسائر بين المدنيين في المناطق التي يسيطر عليها الثوار، ولا يملك الثوار ولا القوات التابعة لـ"تنظيم الدولة الإسلامية" (داعش) أي ردا فعالا على "القوات الجوية السورية"، وليست أي منطقة في سورية بمنأى من هجماتها. فهي قوة ذات مرونة واستجابة وقد برهنت أنها قادرة على بذل جهد مستمر في العمليات الاستراتيجية وفي دعم العمليات الميدانية، الهجومية والدفاعية على حد سواء، وتحصل الضربات الجوية في ساحات معارك صعبة كالمدن أو الأرياف أو المناطق الجبلية أو الصحراوية، وتكون الأهداف قريبة من مناطق مأهولة أو ضمنها وغالباً ما تكون قريبة من قوات النظام أو على اتصال بها، وعملت "القوات الجوية السورية" في كل هذه البيئات، بكفاءة على الأقل، إن لم يكن بدقة.

وبعد عامين ونصف العام من العمليات المستمرة في حرب لم تكن "القوات الجوية السورية" مستعدة لها، أظهرت هذه القوات أيضاً مرونة مفاجئة، فقد فقدت خمسا من قواعدها الجوية الخمسة والعشرين، في حين يقع سبع أو ثمانٍ منها تحت الحصار أو هي هدف للهجمات الدورية. حتى مع أخذ المبالغة المتوقعة بعين الاعتبار، يبدو أن استنزاف "القوات الجوية السورية" كبير.

وبغض النظر عن هذه الخسارات، يبدو أن "القوات الجوية" تجري نحو 50 طلعة جوية في اليوم استناداً إلى تقارير محدودة من المعارضة ومصادر أخرى، ومن المرجح أن تكون روسيا وإيران قد قدمتا مساعدات حيوية للحفاظ على "القوات الجوية" بما في ذلك توفير قطع الغيار وعمليات تجديد المعدات وترميمها وتحسينها. وباختصار، تعمل "القوات الجوية السورية" مع قيود قليلة غير تلك التي تفرض عادةً على أي قوة جوية والناتجة عن القيود المتعلقة بالطواقم والصيانة والخدمات اللوجستية والاستخبارات والحالة الجوية.

الاستراتيجية الجوية

يقصف النظام أهدافاً محددة، فعملياته الجوية متكاملة في قيادة شاملة للحرب، وتُستخدم لتحقيق أهداف استراتيجية وتكتيكية واضحة، أما على المستوى الاستراتيجي، فتهدف دمشق إلى تقويض دعم الشعب للثورة ماديّاً ومعنويّاً وإجباره على الرضوخ لحكم النظام.

وتقود "القوات الجوية السورية" مجموعة كبيرة من العمليات القتالية دعماً لأهدافها:

• هجمات على مناطق مدنية (قصف مناطق)، بما في ذلك المنازل والمرافق الطبية ومرافق المياه والمخابز والمحاصيل والثروة الحيوانية، يلعب فيها إلقاء البراميل المتفجرة من المروحيات دوراً رئيسياً.

• دعم عمليات الحصار التي تهدف إلى تقويض المقاومة في المناطق التي يسيطر عليها الثوار، تلعب فيها المروحيات أيضاً دوراً رئيساً.

• ضربات على أهداف عسكرية بما فيها القيادة والقوات والمعدات والخدمات اللوجستية والمنشآت التابعة للثوار.

• اعتراض الحركة التكتيكية والعملياتية بما في ذلك شن هجمات على السيارات المدنية وقوافل الثوار.

• عمليات دعم جوي تكتيكية عن قرب لمساندة الوقات البرية.

• الهجمات الانتقامية بعد سقوط منطقة في يد الثوار.

وتشمل المهام العسكرية الهامة الأخرى للقوات الجوية إعادة التزويد الجوي للقوات المعزولة وإعادة الانتشار الجوي والتعزيز الجوي وإجلاء القوات (على الأقل الضباط) من المعاقل المهددة، وهذه المهمات أساسية لقدرة النظام على مساندة الوقات البرية المحاصرة منها والأخرى في القتال؛ على سبيل المثال، كل أنواع العمليات التي شهدتها المعارك الحادة في محافظة الرقة في الصيف المنصرم.

التداعيات والإصابات

في الواقع، لقد كان لعمليات "القوات الجوية السورية" آثار واسعة النطاق على الحرب، لاسيما بعد أن أصبحت الضربات الجوية إحدى وسائل القتل الأساسية التي يتبعها النظام، وتشير البيانات من "مركز توثيق الانتهاكات في سورية" إلى أن الهجمات الجوية كانت مسؤولة عن أكثر من ثلث الخسائر البشرية (39 في المئة) بين أغسطس وأكتوبر، أي أكثر من أي مسبب آخر؛ ويرتبط قسم كبير من تلك الوفيات بالبراميل المتفجرة. وتشكل الضربات الجوية أيضاً سبب الدمار الأساسي للأبنية في مناطق المعارضة، وحين تستمر فترة طويلة كما كانت عليه الحال في الحملة الخاطفة على حلب، قد تجعل منطقة كاملة غير قابلة للحياة. بالإضافة إلى ذلك، للضربات الجوية أثر سلبي كبير على معنويات الثوار والمدنيين الذين لا يملكون دفاعاً فعالاً ضدّها، كما أن الأسلحة والتكتيكات غير الدقيقة أدت إلى وقوع عدد من حوادث إطلاق النار من قوات صديقة على قوات حكومية.

وعلى الرغم من تأكيدات النظام بأنه لا يستهدف المدنيين (كما جاء مؤخراً في مقابلة لبشار للأسد مع مجلة "باري ماتش" في 28 نوفمبر)، فإن المدنيين يقتلون بأعداد كبيرة من جراء الضربات الجوية كما ذكر سابقاً، ولم يبيّن النظام أي غضاضة حيال ضرب المستشفيات والمدارس ومناطق مدنية أخرى، ووصلت هجماته في الرقة في أواخر نوفمبر إلى حد أنه يقال إن مئات المدنيين من غير المقاتلين قتلوا خلالها، وما هذا سوى أحدث مثال لتلك الهجمات، ولا شك أن غياب أي رد فعل دولي سلبي جدي لمثل هذه الأنشطة قد شجع النظام على الاستمرار بها، لا بل تصعيدها.

وبينما تسيطر "القوات الجوية السورية" بشكل أساسي على المجال الجوي فوق سورية، فإن ذلك يعود إلى غياب المعارضة الفعلية، وإذا واجهت قوة جوية حديثة (أو تحالف من القوات الجوية)، فسيظهر عندئذٍ ضعفها التقليدي في القتال الجوي، ولم تبدِ "القوات الجوية" أي ميل للقتال مع الطائرات الإسرائيلية أو طائرات الائتلاف بقيادة الولايات المتحدة فوق سورية، وليس هناك سبب للتوقع بأنها ستقوم بذلك إذا زادت مثل هذه الغارات، فطائراتها قيمة جدّاً في عمليات جو-أرض ضد معارضي النظام لكي يُخاطر بها.

وأخيراً، لا يبدو أن طائرات الائتلاف بقيادة الولايات المتحدة تنسق عملياتها مع طائرات النظام، كما استنتج البعض من واقع قصفها غالباً للمناطق نفسها بشكل عام، بل يبدو أن كلا الطرفين يضرب أهدافاً صادف أنها للعدو نفسه.

نظراً لغياب الضغط السياسي والعسكري ضد "القوات الجوية السورية"، بإمكان هذه القوات أن تحلّق أينما تريد، وأن تقصف ما تريده بالذخائر التي تروقها مخلفةً نتائج رهيبة؛ لذا يجب عدم السماح للنظام بشن حرب جوية دون أي قيد ضد شعبه ودون أي عقاب؛ فاستمرار الوضع الراهن لن يؤذي الشعب السوري فحسب بل أيضاً أهداف الولايات المتحدة والائتلاف.

وتملك الولايات المتحدة وشركاؤها خيارات متعددة لفرض القيود، وقد تتراوح بين حظر مجال جوي محدد وعمليات واسعة ضد "القوات الجوية السورية" والأهداف التابعة لها، كما أن إنشاء منطقة حظر جوي محدودة في المناطق التي يعمل فيها الائتلاف لن تكون ذات كلفة عالية في حين مخاطرها قليلة، وسيجبر النظام إما على الخضوع أو على تحدي الحظر مما قد يعرض أصوله القيمة لخطر كبير.

 ولا شك أن هذه الخطوة ستريح الشعب السوري إلى حد كبير في المناطق المعنية، وتولد وضعاً عسكريّاً أكثر أماناً للثوار، وتشكل نكسة سياسية وعسكرية قوية للنظام، وتطبيق هذه الخطة سيتطلب تكريس المزيد من الموارد، وليس هناك شك في أنه ستنتج عن ذلك بعض المخاطر التي يمكن تجاوزها بالعمل الدبلوماسي والاستعداد لاستخدام القوة لفرض منطقة الحظر.

هناك حل بديل، لكن من المرجح ألا يكون بنفس القدر من التأثير، حيث يمكن للأطراف الخارجية تزويد الثوار بالمزيد من الأنظمة الدفاعية المضادة للطائرات وتحسين قدرتها على الاعتراض الجوي، فهذا قد يساعدها على التصدي لعمليات النظام الجوية بطريقة أكثر فعالية من خلال فرض نسبة أعلى من الاستنزاف وزيادة العراقيل في القواعد الجوية.

ومع ذلك، فأي من المقاربتين لن تمنع النظام بصورة تامة من قصف شعبه، وحل هذه المشكلة يتطلب خطة شاملة لإخراج "القوات الجوية السورية" من الحرب.

* جيفري وايت | Jeffrey White ، أستاذ شؤون الدفاع في "معهد واشنطن"، ومتخصص في الشؤون الأمنية والعسكرية في بلاد الشام، العراق وإيران.