هل يعقل أننا في دولة الكويت حيث بدأ التعليم النظامي قبل مئة سنة، وكنا محور التعليم في منطقة الخليج والجزيرة العربية عقوداً طويلة، أن نفتح جبهة للقتال من أجل تدريس شريحة من أبناء "البدون" ممن عاشوا على هذه الأرض ضمن أجيال متعاقبة؟! وهل لنا أن نتصور أن بلدنا، بمؤسساته الرسمية وقراراته الحكومية من جهة وهيئاته الشعبية وجمعيات النفع العام والهيئات التدريسية من جهة أخرى، يعيش حالة من الصراع، منذ عشرين عاماً فقط، من أجل تمكين أطفال "البدون" من حق القراءة والكتابة؟
ألا يحق لنا أن نخجل من أن تكون هذه القضية محل خلاف؟ وأن نلاحق أجهزة صناعة القرار عبر العرائض الشعبية من المدرسين وأساتذة الجامعة والبرامج الإعلامية والمقالات الصحافية من أجل السماح لطفل عمره خمس سنوات بالالتحاق بالمدرسة؟أليس عيباً أن تبني حكومتنا مدارس وجامعات في شرق العالم وغربه، وتقدم المنح الدراسية لمئات من الجنسيات الأجنبية للدراسة في مدارسنا وجامعاتنا، بينما نخصص صندوقاً خيرياً من الهبات والصدقات لتعليم "البدون"، مع أن الكثير منهم أبناء مواطنات كويتيات أو من أبناء المؤتمنين على حماية أمن بلدنا في السلك العسكري؟ بأي وجه نقابل مدارس ونظريات التعليم الحديث والدراسة عن بُعد والمدارس الذكية والثورة المعلوماتية، ونحن نطرح فكرة "الكتاتيب" من قبل متطوعين لتدريس "البدون"؟إلى متى المتاجرة الرخيصة برقاب هذه الفئة المستضعفة وتنفيع بعض أصحاب المدارس الخاصة ممن لا يشبعون من رسوم الصناديق الخيرية ويتمادون في ابتزاز عوائل "البدون" بمبالغ إضافية، وقد كدسّوا المئات من الأطفال في مبانٍ بالية تفتقر إلى أبسط الخدمات التي تليق بالبشر، وسط سكوت، إن لم نقل مباركة، المنتفعين وأصحاب القلوب القاسية والمعقدة؟ وإلى متى تستمر طريقة القطّارة في مسيرة تعليم "البدون" من مرحلة الابتدائي وحتى المرحلة الجامعية من خلال الضغط والغضب والتهديد أو انتظار ظهور بعض المسؤولين من أولاد الحلال؟أمام هذه الصور الكئيبة والمخجلة نأمل من معالي الوزير الدكتور بدر العيسى أن يكسر هذا الباب الفولاذي الذي نصبه أصحاب القرارات المريضة في وجه تعليم "البدون"، ولعل تخصص السيد الوزير في علم الاجتماع ومسؤوليته الوطنية في حمل حقيبة التربية خير معين له في استشعار تبعات هذا الحرمان التعسفي.تصريحات السيد الوزير حول أولوية تعليم البدون وقراره الشجاع بضم أبناء الكويتيات إلى قطاع التعليم العام خطوة إنسانية وحضارية تستحق كل الثناء والدعم، ومن المؤكد أن يواجه بضغوط عكسية، ولهذا نقول للدكتور بدر العيسى مادامت حديدتك حامية فاطرقها بكل قوة وافتح أبواب التعليم العام على مصاريعها للبدون من أجل سمعة الكويت وتنظيفها من هذا الوسخ الذي يلطخها، واستند في ذلك إلى القيم الإسلامية ومبادئ الدستور والاتفاقيات الدولية التي وقعتها دولة الكويت في مجال التعليم وحقوق الطفل، ودعم الشعب الكويتي ودعاء الآلاف من عوائل البدون، وأقسم بالله إن هذا القرار سيفتح عليك أبواب الخير الكثير في مستهل حياتك السياسية والتربوية.
مقالات
الحديدة حامية فاطرقها يا وزير التربية!
21-11-2014