كلما وجهنا القلم إلى موضوع حيوي، بعيداً عن الحالة المتردية في العالم العربي، جد جديد في هذا الواقع استحق منا ومن الآخرين الكتابة عن هذا الجديد.

Ad

 والغريب أن الموضوع واحد، أشبعناه كتابة وتوصيفا وتنظيرا حتى طرقه العوام من الذين لا يجيدون القراءة ولا الكتابة أكثر مما كتبه المحللون، واختلط الحابل بالنابل وفقدنا البوصلة والعقل الرشيد.

منذ نكبة فلسطين 1948، ونحن نراوح في مكاننا كتابه وشعراً وحكايات وخضنا حروبا انهزمنا في أكثرها وأصابنا اليأس كثيرا، وقدمنا من أرواح أبنائنا الآلاف من الشهداء، وتشكلت لجان تقصي حقائق ولجان تقرير ومؤتمرات للقمم، وكثير من الأحداث الجسام قصمت ظهر الأمة التي مازالت تكابد رغبة في الخلاص من هذه الحالة التي استقرت بضعفنا.

ويبقى الوضع على ما هو عليه بينما تتسع الهوة فيما بين أبناء الأمة، كما تتباعد المسافات بين رؤية القادة وتعاملهم مع الوضع العربي برمته.

 ظاهرة الثورات العربية الجديدة والتي اختلفت عليها وعلى أهدافها الشعوب وحكامها زادت من اتساع الفجوة بينهما، وبات كل بلد ينادي «اللهم نفسي» وتكبر «الأنا»، التي ربى أبناءه عليها منذ زمن ما قبل الثورات حتى انفجرت صريحة واضحة في العهد الجديد الذي سمي «الربيع العربي»، وقامت أبواق في الإعلام تقذف الصالح والطالح بتهم وتوجه الشعوب إلى مصير مجهول لا تدبير فيه ولا عقلانية، وإنما هي عنترية الفرص المتاحة للكسب الشخصي في زمن «الهرطقة» دون إحساس بالمسؤولية الأخلاقية ولا الأدبية.

 كيف يكون ربيعاً بلا زهور تتفتح على مشروع يجمع الشمل حول هدف كبير معروفة تفاصيله وطريقه واضح، بينما أبواق «الردح الإعلامي» مازالت تصرخ في وجه الأمل المنتظر من هذا الربيع؟!

 نرى تشرذم الشعوب وتفرق البلاد وتمزقها، إما ضعفا وإما تخبطا وتهورا، بلا تخطيط وبلا إجماع على عمل يخرج الأمة من هذا المأزق الذي لم يكن الأول في تاريخها، ولن يكون الأخير!

 الوقت يمضي سريعا بينما الحال يبقى على ما هو عليه إن لم يكن يسير نحو الأسوأ.

لم يعد خافيا أن العالم، ومن قبل هذه النكبة، قد أجمع على ألا تنهض البلاد العربية وأصر وخطط على أن تبقى «البقرة الحلوب» التي تدر من ثرواتها كلها لترضعه لبنا خالصا ليكبر ويتفنن في إخضاعها وهي تلهو فرحة بما أصابها من نعيم طرأ في غير انتظار كلفها المزيد من الخنوع والتنازل عن كبريائها اللذين طفحت بهما كتب التاريخ حتى فقدت عفتها!

أي موضوع أكثر إلحاحا للكتابة عنه مما يجري في العالم العربي الذي اختارته قوى الشر ليكون مسرحها الكبير تستعرض على أرضه إجرامها وتمثيلها بأجساد البشر من كل الملل والطوائف بلا وازع إنساني أو أخلاقي أو ديني؟!

 نتابع يومياً، وفي كل لحظة، ما يفاجئنا على هذه البقعة من الأرض من أهوال ومجازر تقشعر منها الأبدان، وكل ما يفعله العالم المتحضر والمتخلف معا، هو الشجب والتصدي الذي لا يوازي الهجمة الشرسة لقوم فقدوا شعورهم الإنساني وباتوا يتفننون في أساليب القتل والذبح والحرق لكل ما تصل إليه أيديهم وعقولهم المتخلفة تحت ستار الدين الذي فـَصـَّلوه على مقاسهم وهواهم وضمن رؤيتهم الضيقة القاتلة لروحه؟!

لسنا فقهاء في الشرع، ولكننا تعلمنا من عقيدتنا وقرأنا في العقائد الأخرى ما ينهى عن تعذيب الإنسان أو قتله بلا سبب، وأنه «مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا» صدق الله العظيم.

 فمن أين استقى هؤلاء الأشرار عقيدتهم؟ أليست هي نفس المصادر التي وصلتنا في كتاب الله الكريم وسنة نبيه وتفسير الفقهاء وسير الأولين؟

 فكيف انحرفوا بالعقيدة عن مسارها الصحيح وجنحوا بهذه الصورة المرعبة؟ ومن الذين زرع فيهم هذا المنطق الغريب والبعيد عن أساس المنهج الرباني؟ لاشك أنها عقول لم تمعن ولم تتفكر في آيات الله، ولاشك أنها انحرفت عما تريد أن تكون عليه، فأصابها لوث العقل الذي جنح بها إلى هذا الدرك الأسفل من الأخلاقيات.

 ونحن نعيش هذا الطارئ المخيف وهو يجتاح البلاد، كيف لنا أن نتحدث عن قضيتنا الأساسية في اغتصاب الوطن بنفس الروح القوية بينما ينقسم أبناؤه فرقاً متناحرة، كما نرى تخبط الشعوب العربية وأنظمتها، وضياع طاقاتها البشرية وثرواتها وقد استشرى «الفقر والمرض والجهل» والتي هي أسس التخلف، بعد أن كان الهدف الأسمى هو تحرير الأرض المغتصبة، والقضاء على هذه الثلاثية القاتلة؟!

 * كاتب فلسطيني - كندا