فتحت محكمة الاستئناف الطريق مجدداً لأهالي منطقة أم الهيمان لمقاضاة الحكومة والمصانع، على أن يكون ذلك بعد انتهاء وزارة الصحة من إعداد تقريرها عن المنطقة بنهاية العام الحالي، وثبوت آثار التلوث على المنطقة وسكانها جراء ادخنة المصانع والغازات المنبعثة منها.

Ad

وقالت المحكمة، التي ترأسها المستشار خالد الهندي، إنه رغم رفضها دعوى أهالي المنطقة ضد 37 مصفاة، فإن ممثل وزارة الصحة د. أحمد الشطي كرر امام المحكمة أن آخر دراسة أجرتها «الصحة» كانت عام 2004، وأن الوزارة بدأت منذ 3 سنوات عمل دراسة أخرى على المنطقة، وتم الانتهاء من مرحلتين، وتبقى الثالثة والأخيرة، التي يتوقع انتهاؤها خلال فترة من 6 إلى 9 أشهر.

وأوضحت «الاستئناف»، في حيثيات حكمها، أن إدارة الخبراء انتهت إلى وجود مخالفات ارتكبتها المصانع والمنشآت لقرارات الهيئة العامة للبيئة بشأن المعايير الواجبة لمنع التلوث، إلا ان تقرير الإدارة لم يثبت قيام الرابطة السببية بين الخطأ الصادر من المنشآت ومصانع المنطقة وبين التلوث الحاصل فيها، وذلك «على فرض تحققه وما ترتب عليه من اثار صحية انعكست على ارتفاع اعداد المصابين بالامراض التنفسية وفقا للدراسات المقدمة من المواطنين».

وقالت المحكمة إن كلاً من تقرير إدارة الخبراء المنتدبة من المحكمة والتقارير الفنية المقدمة من المواطنين قد «خلا من ثمة دليل واضح يقيني يثبت أن ما لحق بالمواطنين رافعي الدعوى من أضرار صحية وبيئية، بحسب ادعائهم، ناتج عن المخالفات المنسوبة الى المصانع والمنشآت المملوكة لتلك الشركات».

وبينت أن وزارة الصحة باشرت إعداد بحوث ودراسات بخصوص المسائل المتعلقة بالتلوث الحاصل في المنطقة، إلا أن تلك الدراسة لم تنتهِ بعد، وتحتاج إلى مزيد من الوقت، ولذا ترى المحكمة أن العدالة تقتضي إعطاء المواطنين الـ97 مكنة اخرى من رفع دعواهم بعد انتهاء لجنة الحكومة، ممثلة بوزارة الصحة، من اعداد الدليل، وعلى ذلك تقضي المحكمة بتعديل الحكم المستأنف فيما قضي به برفض الدعوى، والقضاء برفض الدعوى بحالتها، وفي ما يلي نص حيثيات الحكم.

رفض الدعوى

تقدم 97 مواطنا الى الدائرة المدنية في المحكمة الكلية بطلب ندب ادارة الخبراء لإثبات بيان الاضرار التي اصابتهم من جراء وجود الادخنة والغازات المنبعثة في المنطقة، والتي يصدرها 37 مصنعا ومنشأة صناعية في المنطقة، الا ان المحكمة رفضت الدعوى لعدم تقديم المواطنين اي مستندات تفيد تضررهم من الغازات والادخنة في تلك المنطقة.

لكن المواطنين طعنوا على الحكم امام محكمة اول درجة التي قررت احالة الموضوع الى ادارة الخبراء، واستدعاء وكيل وزارة الصحة او من يمثله للحديث عن الآثار الصحية الناتجة عن الغازات والادخنة.

وقال المواطنون الـ97 في دعواهم ان المصانع والمنشآت الصناعية المجاورة لمناطق علي صباح السالم (ام الهيمان) ينشأ عنها مضار جو غير مألوفة لا يقدرون هم وأسرهم على تحملها لما ينبعث منها من مواد سامة وروائح كريهة وغازات نفاذة بصفة دائمة ومستمرة، فضلا عما تنشره من دخان يجعل العديد من المواد الكيماوية الخطيرة ذات السمية العالية.

وقالوا إن منطقة ام الهيمان التي يقيمون فيها واسرهم تقع تحت حمل ثقيل من الملوثات المختلفة والغازات السامة نتيجة نشاط هذه المصانع، ويجد المدعون واسرهم انفسهم يتجرعون الملوثات والسموم يوميا، والتي يترسب بعضها في اجسادهم بشكل خطير ويزداد تركيزه مع مرور الوقت ليجلب معه بعض التأثيرات الصحية الخطيرة التي تسبب العديد من الاخطار والامراض المختلفة، وثبت هذا الضرر بهذه الملوثات من خلال دراسات وتوصيات وزارة الصحة والهيئة العامة للبيئة بعدم صلاحية المنطقة للسكن بسبب التلوث الكبير فيها.

كما ثبت من خلال الدراسة التي اجراها معهد الكويت للابحاث العلمية في شهر يونيو عام 2004 وظهرت نتائجها في شهر يناير من عام 2005، والتي اكدت ان نسبة التلوث في هذه المنطقة تفوق المعدل المسموح به 19 ضعفا لمجموع متوسط كل الملوثات المقاسة.

أم الهيمان... والربو

وأوضحوا أن احصائيات وزارة الصحة عن حالات الاصابة بالربو وصلت في منطقة ام الهيمان الى اكثر من 1399 حالة، وهي اعلى بعشرة اضعاف من اعلى منطقة في الكويت اصابة بالربو وهي الصباحية 174 حالة، رغم ان عدد سكان منطقة الصباحية اربعة اضعاف سكان منطقة ام الهيمان.

كما ثبت ذلك من خلال دراسات وابحاث مختلفة أجرتها جهات حكومية وغير حكومية بشأن منطقة ام الهيمان وتأثير نشاط هذه المصانع ومخلفاتها على سكانها، وما تمثله من مخاطر واضرار عديدة تهدد حياتهم، وقد ثبت ذلك اخيرا من خلال التقرير الصادر من النائب الاول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع رئيس المجلس الاعلى للبيئة بتاريخ 17/2/2000 والموجه الى رئيس مجلس الامة بشأن السؤال البرلماني المعلق بشأن الآثار الضارة نتيجة وجود بعض المنشآت الصناعية في منطقة الشعيبة القريبة وغيرها من المناطق الصناعية المجاورة لمنطقة ام الهيمان، والتي تضمنت التوصيات بالاجراءات القانونية المطلوب اتخاذها بحق المنشآت الصناعية المخالفة، ومنها التوصيات بنقل مجموعة من المنشآت الصناعية بصفة عاجلة المخالفة، ومنها التوصيات بنقل مجموعة من المنشآت الصناعية بصفة عاجلة لما تسببه من اضرار بالغة.

عقوبات

وقالت المحكمة في حيثيات حكمها ان لجنة الخبراء المنتدبة اودعت تقريرها الذي انتهت فيه الى انه خلال السنوات الثلاث السابقة على تاريخ رفع الدعوى الماثلة في 9/6/2010 وتحديدا في عام 2009 قامت الهيئة العامة للبيئة بتحرير مخالفات للمنشآت المخالفة التابعة للمستأنف ضدهم، وكان معظم تلك المخالفات يتعلق بالبيئة الداخلية للمصانع والمنشآت التابعة المستأنف ضدهم، بالاضافة إلى وجود قصور في الالتزام بالاشتراطات الهندسية البيئية، وقامت الهيئة بتطبيق عقوبات بحق المنشآت المخالفة الا انه بتاريخ 2010 لم يتم ضبط سوى مخالفتين ضد شركتين فقط.

كما لم يتبين للخبرة ما اذا كانت المخالفات المضبوطة اثرت في احداث الاضرار بالبيئة الخارجية، وتسببت في تلوث ضار مباشر او غير مباشر بالانسان لعدم حضور من يمثل وزارة الصحة في جلسات الخبرة وتقديم دفاعها - رغم اعلانها- باعتبار أنها الجهة المعنية التي تقوم بالمسح الطبي المتعلق بالملوثات البيئية والامراض الصحية المرصودة لدى الاهالي، ولعدم تقديم المستأنفين المواطنين ما يثبت ان المخالفات التي تم ضبطتها كان لها الاثر المباشر في الإصابة بتلك الامراض.

وقالت المحكمة، في حيثيات حكمها، إنها «قضت وقبل الفصل في الموضوع باستجواب وكيل وزارة الصحة بصفته شخصيا او من ينوب عنه من قياديي الوزارة المختصين في مجال الصحة البيئية، لمناقشته بشأن نتائج الدراسات والبحوث التي اجرتها الوزارة او غيرها من الجهات العلمية في الدولة والمتعلقة بالامراض التي يشكو منها الاهالي المقيمون في ضاحية علي صباح السالم (ام الهيمان)، وارتباط ذلك بالمخالفات المضبوطة في المصانع والمنشآت التابعة للمستأنف ضدهم وفقا لما هو ثابت من تقرير الهيئة العامة للبيئة المرفق بالاوراق والمشار اليه في تقرير لجنة الخبراء».

وبجلسة 23/1/2014 حضر ممثل عن وزارة الصحة الدكتور احمد الشطي، وقرر ان آخر دراسة اجرتها وزارة الصحة على منطقة علي صباح السالم (ام الهيمان) كانت عام 1994، ومنذ ذلك التاريخ لم تجر اي دراسة خاصة بتلك المنطقة ما عدا تقديم احصائيات عامة ولم تكن خاصة بمنطقة علي صباح السالم فقط، وانه منذ ثلاث سنوات بدأت الوزارة بعمل دراسة للآثار الصحية للتلوث في منطقة علي صباح السالم، وتم الانتهاء من مرحلتين وتبقى المرحلة الثالثة والاخيرة المتوقع الانتهاء منها بعد 6 الى 9 أشهر.

الخطأ والضرر

وأضافت المحكمة انه «عن موضوع الاستئناف فانه من المقرر اذا كان اساس المسؤولية التقصيرية هو الخطأ، وكان وصف الفعل بأنه خطأ موجب للمسؤولية او نفي هذا الوصف عنه هو من المسائل القانونية التي يخضع فيها قضاء محكمة الموضوع لرقابة محكمة التمييز، وكان يتعين عند بحث قيام علاقة السببية بين الخطأ والضرر الوقوف عند السبب المنتج، واعتبار صاحب هذا السبب هو المسؤول وحده عن الضرر دون صاحب السبب العارض، وكان تقدير وقوع الفعل المكون للخطأ وقيام رابطة سببية بينه وبين الضرر بالمعنى السالف بيانه، وان كان من مسائل الواقع التي تستقل بها محكمة الموضوع، الا ان ذلك مشروط بأن تقدم حكمها على اسباب سائغة تبرر ما انتهت اليه في هذا الخصوص».

واوضحت انه «لم كان الثابت في الاوراق وخاصة ما ورد في التقرير الصادر من النائب الاول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع رئيس المجلس الاعلى للبيئة بتاريخ 17/2/2010 الموجه الى رئيس مجلس الامة الذي يثبت ارتكاب المنشآت والمصانع التابعة للمستأنف ضدهم -ما عدا جهة الحكومة- لمخالفات عددها هذا التقرير تثبت مخالفة تلك المصانع والمنشآت لقرارات الهيئة العامة للبيئة بشأن المعايير الواجبة لمنع التلوث البيئي».

وزادت: «اما بخصوص قيام الرابطة السببية بين خطأ المنشآت المشار اليها في التقرير وبين التلوث البيئي الحاصل في منطقة ضاحية علي صباح السالم -وعلى فرض تحققه- وما ترتب عليه من آثار صحية انعكست على ارتفاع اعداد المصابين بالامراض التنفسية وفقا للدراسات المقدمة من المستأنفين فإنه ولما كانت كل من تقرير لجنة الخبراء المنتدبة من قبل المحكمة والتقارير الفنية المقدمة من المستأنفين قد خلت من ثمة دليل واضح يقيني يثبت ان ما لحق المستأنفين من اضرار صحية وبيئية -بحسب ادعائهم- هي ناتجة عن المخالفات المنسوبة الى المصانع والمنشآت المملوكة للمستأنف ضدهم وفقا لتقرير الهيئة العامة للبيئة المشار اليه سلفا».

وتابعت انه «ولما كان إثبات قيام الرابطة السببية او نفيها بين الخطأ الثابت بحق المنشآت والمصانع التابعة للمستأنف ضدهم هي من المسائل الفنية التي يتطلب القيام بها فريق متكامل من المتخصصين في مجال التلوث والصحة البيئية، فضلا عن تطلبها الاجهزة والمعدات الفنية بالغة التقنية وميزانية مالية كبيرة، وهي من المتطلبات التي يعجز الافراد بطبيعة الحال عن القيام بها، وكان الثابت في الاوراق ان وزارة الصحة قد باشرت اعداد بحوث ودراسات في خصوص المسائل المتعلقة بالتلوث الحاصل في منطقة صباح السالم، الا ان تلك الدراسة لم تنته بعد، وتحتاج الى مزيد من الوقت».

واردفت: «واذ تعذر عن المستأنفين تقديم الدليل على تحقق العلاقة السببية بين خطأ المنشآت والمصانع التابعة للمستأنف ضدهم والضرر الذي لحق بهم للاسباب المبينة سلفا، وهي اسباب خارجة عن ارادة المستأنفين، وان ترى المحكمة ان العدالة تقتضي اعطاءهم امكنة اخرى من رفع دعواهم بعد انتهاء جهة الحكومة من اعداد الدراسة اللازمة واعداد الدليل فإن المحكمة تقضي بتعديل الحكم المستأنف في ما قضى به برفض الدعوى والقضاء برفض الدعوى بحالتها».

تكليف إدارة الخبراء متابعة المستندات والتقارير

بعد رفض دعوى المواطنين الـ97 امام المحكمة الكلية طعنوا على الحكم الصادر امام محكمة الاستنئاف التي بدورها قبلت الاستئناف شكلا وفي الموضوع قررت ندب ادارة الخبراء بوزارة العدل لتعهد الى لجنة من ثلاثة خبراء متخصصين في موضوع النزاع للاطلاع على اوراق ومستندات الدعوى وما يقدمه الخصوم من مستندات، وعلى وجه الخصوص الاطلاع على الدراسة التي اجراها معهد الكويت للابحاث العلمية في شهر يونيو 2004.

كما تطلع اللجنة أيضا على صورة التقرير الصادر من النائب الاول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع رئيس المجلس الاعلى للبيئة بتاريخ 17/2/2010 الموجه الى رئيس مجلس الامة بشأن السؤال البرلماني الذي تم توجيهه حول الآثار الضارة على سكان منطقة ام الهيمان نتيجة وجود المنشآت الصناعية في منطقة الشعيبة الغربية وغيرها من المناطق الصناعية المجاورة.

وعلى اللجنة الانتقال الى الامانة العامة لمجلس الامة او الهيئة العامة للبيئة ومعهد الكويت للابحاث العلمية للحصول على نسخة طبق الاصل من تلك الدراسة، وتمكين الخصوم من الاطلاع عليها ونسخ صورة عنها، وفي حالة مطابقة اصل الدراسة والتقرير المشار اليهما لصورهما المرفقة بالاوراق - بيان ما اذا كانت المخالفات المشار اليها في التقرير المؤرخ 17/2/2010 قد تم ازالتها من قبل المستأنف ضدهم من عدمه، وذلك بموجب شهادة معتمدة من الهيئة العامة للبيئة تفيد زوال تلك المخالفات وخلو المنشآت والمصانع المشار اليها في التقرير من اي مخالفات اخرى تسبب ضرر للمستأنفين من المواطنين.