ما قل ودل: الملك سلمان على خُطى السلف الصالح

نشر في 17-02-2015
آخر تحديث 17-02-2015 | 00:01
 المستشار شفيق إمام أنهيت مقالي الثلاثاء الماضي عن سيرة الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود تحت عنوان "سيرة عظيمة لمسيرة ملك عظيم (2)" بكلمة قصيرة قلت فيها: وإني على يقين بأن جلالة الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود سوف يتابع مسيرة سلفه، لأن سياسة المملكة لا ينفرد بها فرد، وإن العطاء أسلوب ومنهج حياة للمملكة.

الملك سلمان شريك رئيسي

وهي كلمة حق تمليها عليّ أمانة الكلمة، ذلك أن بصمات الملك الراحل في شؤون الحكم وترتيب البيت الخليجي ودعمه لمصر في حربها ضد الإرهاب وفي ثورتها التصحيحية، وقبل ذلك موقفه في المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب الذي عقد في الرياض والاقتراح الذي قدمته المملكة بإنشاء المركز الدولي لمكافحة الإرهاب، وموقفها الإيجابي من حقوق الإنسان وحصول المرأة على كثير من حقوقها، والذي أهل المملكة للفوز بعضوية مجلس حقوق الإنسان الدولي، والصفعة التي صفعها الملك الراحل لمجلس الأمن عندما رفضت المملكة مقعداً غير دائم في مجلس الأمن، والأسباب التي أعلنتها المملكة لهذا القرار، وهي ازدواج المعايير في قرارات هذا المجلس، وإخفاقه في تحمل مسؤولياته في حفظ الأمن والسلام العالميين، مما أدى إلى اتساع رقعة الظلم واغتصاب حقوق الشعوب، كما دعت المملكة إلى عقد القمة العربية التنموية الاقتصادية الثالثة في الرياض التي شاركت فيها 21 دولة.

 إن كل هذه الملفات المعقدة وكل هذه التحديات التي واجهتها بالأوامر الملكية التي أصدرها الملك الراحل، بشجاعة لا تخلو من الحكمة، واقتدار لا يخلو من الجرأة، لم تكن قرارات لينفرد بها الملك الراحل، فقد كان الملك سلمان- بوصفه وليا للعهد ونائبا لرئيس مجلس الوزراء ووزيرا للدفاع، وأمين سر العائلة ومستشار الملك، وقبل ذلك أميرا لعاصمة المملكة الرياض- شريكا رئيسيا في هذه القرارات.

إرث تاريخي

ولم تكن الجرأة والشجاعة والحكمة والاقتدار وصفات النبل والأخلاق العربية الأصيلة للملك الراحل نبتاً بغير جذور، فهي إرث تاريخي للملوك الذين تعاقبوا على الحكم في المملكة.

ولعل الموقف السعودي الرائع في فترة حكم الملك فيصل شاهد على كل هذه الصفات، عندما طويت صفحة الجفاء الذي ساد العلاقات بين مصر والمملكة في مؤتمر الخرطوم عام 1964، ومقررات هذا المؤتمر والجهود التي بذلها الملك فيصل في هذا المؤتمر، والتي أسفرت عن رفع مبلغ الدعم لمصر من خمسة ملايين جنيه إسترليني إلى خمسين مليونا، كما كان موقف الملك فيصل، رحمه الله، في حرب أكتوبر 1973 وموازته مع دول الخليج لمصر في هذه الحرب، باتخاذ البترول سلاحا فعالا في هذه المعركة، أحد أهم الأسباب لنصر أكتوبر العظيم.

والتاريخ لن ينسى موقف المملكة العربية السعودية من العدوان الغاشم على الكويت في 2 أغسطس سنة 1990، واستضافة المملكة اجتماع جدة بين الجانبين الكويتي والعراقي مساء الثلاثاء 31/7/1990 لاحتواء الأزمة التي فجرها صدام حسين، فقد كانت المملكة الرائدة دائما في لمّ شمل العرب.

ولن ينسى كذلك إغلاق المملكة ميناء ينبع أمام ناقلات النفط العراقية وإعلان المملكة في الخامس من أغسطس 1990 تعبئة عامة للقوات المسلحة، ودعوة جميع شباب المملكة في سن الخدمة العسكرية إلى حمل السلاح، وتجهيز سلاح الجو السعودي، بعد تعنّت الجانب العراقي، ورفضه الانسحاب من الكويت، والأمر الملكي الصادر بالسماح للقوات العربية وقوات التحالف الدولي في عملية درع الصحراء بدخول الأراضي السعودية لتحرير الكويت، والدعم المادي والمعنوي للكويت، واستضافة الطائف للمؤتمر الشعبي الكويتي، الذي جدد الثقة بأسرة الحكم في الكويت، واستضافة المملكة لحكومة الكويت.

ولعطاء المملكة فلسفة

كما كان عطاء المملكة للفقراء والمنكوبين بسبب الكوارث والمجاعات والذي تناولناه في سيرة الملك الراحل في المقال السابق يرجع إلى فلسفة المملكة في العطاء الذي تستمده من موروث اجتماعي وتاريخي ووازع ديني، فقد اجتمعت هذه العناصر معاً ليصبح العطاء في حياة المملكة أسلوب ومنهج حياة.

فالمملكة قبل اكتشاف النفط "كانت الحياة فيها رهناً بهطول الأمطار، فإن نزلت الأمطار زرع الناس الأرض، وأكلوا من حصادها ما يؤمّنهم من جوع، وإن تأخر هطول الأمطار لم يجد الناس ما يزرعونه ويأكلونه.

وإن النهضة العظيمة التي نهضتها المملكة بعد اكتشاف النفط واستخراجه من الأرض هي استثمار لمال الله، حيث شاء الله سبحانه وتعالى في استخلافه للإنسان أن يسخّر له ملكه ليستثمره وينتفع به، فهو يستثمر ملك الله، فيقول المولى عز وجل: "وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا"، ويقول سبحانه: "أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الْأَرْض".

فإذا استثمر الإنسان ملك الله وحقق منه ما حقق من مال فهو من عند الله، وإن الله يأمرنا بالإنفاق منه، يقول المولى عز وجل "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ* وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ"، ويقول سبحانه "وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقه فَلْيُنْفِق مِمَّا آتَاهُ اللَّه لَا يُكَلِّف اللَّه نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا". ويقول تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ".

ولا أجد ما أختم به مقالاتي الثلاث في سياق الحديث عن الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، سوى الترحم على الفقيد والدعوة إلى المولى عز وجل أن يتقبله في فسيح جناته، والدعوة إلى مالك السموات والأرض وما بينهما أن يوفق الملك سلمان على طريق السداد والحق والسلف الصالح في التصدي لما يحيط بالمملكة والأمتين العربية والإسلامية من أخطار، وما يواجههما من تحديات.

back to top