«انتفاضة وارسو»... لقطات حقيقية من الحرب

نشر في 05-11-2014 | 00:02
آخر تحديث 05-11-2014 | 00:02
استند فيلم المخرج يان كوماسا «انتفاضة وارسو» الذي يتزامن صدوره مع الذكرى السبعين لاستسلام الجيش البولندي، إلى ست ساعات من اللقطات الإخبارية الصامتة الأصلية التي أعدتها فرق من مكتب المعلومات والدعاية التابع للجيش.
يصف المخرج يان كوماسا {انتفاضة وارسو} (النضال المأساوي للجيش البولندي المقاوم طوال 63 يوماً بغية تحرير المدينة من الاحتلال النازي) بـ{المجزرة}.

يتابع: {ظن الجميع أن إنزال الهزيمة بالألمان لن يستغرق أكثر من ثلاثة أيام. فقد توقعوا أن تمد لهم الدول الغربية وروسيا يد المساعدة. أراد هتلر، على ما يبدو، تدمير وارسو وقتل الجميع}.

عمل فريق كوماسا على تحرير ست ساعات من لقطات إخبارية صامتة أصلية أعدتها فرق من مكتب المعلومات والدعاية التابع للجيش، لتصبح مدتها 87 دقيقة، وأعاد ترميمها وتلوينها وتوضيحها، مضيفاً إليها مؤثرات صوتية جديدة، فضلاً عن حوار.

كانت العملية مضنية. فقد لجأ الفريق إلى مستشارين متخصصين في المسائل العسكرية والملابس والهندسة، خبراء في تاريخ وارسو، ومؤرخين كي تكون الألوان المعتمدة أصلية. وبما أن الجزء الأكبر من التصوير الصامت يُظهر أناساً يتكلمون، استخدم معدو الفيلم قارئ شفاه ليترجم ما كان هؤلاء يقولونه وممثلين وضعوا أصواتهم على اللقطات.

قصة خيالية

وكما لو أن هذا لم يكن مبتكراً كفاية، مزج كوماسا التصوير الحقيقي مع قصة خيالية عن أخوين شابين يعملان في مكتب الدعاية وطيار أميركي هرب لتوه من معسكر لأسرى الحرب تابع للألمان كانوا يصورون القتال. صحيح أننا لا نراهم مطلقاً على الشاشة، إلا أنهم يقدمون تعليقات عن الانتفاضة، فضلاً عن حياتهم الخاصة.

والنتيجة: فيلم وثائقي روائي هجين.

كان يان أولداكوفسكي، مدير متحف انتفاضة وارسو في بولندا، وبيوتر س. سليفوفسكي، رئيس قسم التاريخ في المتحف، أول مَن عرض على كوماسا إخراج الفيلم.

تعرّف هذا المخرج إلى هذين الرجلين خلال إجرائه بحثاً عن فيلم روائي كان يكتبه: City 44.

يخبر كوماسا، متحدثاً عن التصوير الإخباري الأصلي: {قدما لي عينة ملونة، وقالا: لدينا المزيد من هذه المواد. نملك تصويراً مدته ست ساعات. كان التصوير مميزاً ومؤثراً جداً}.

صحيح أن مؤيدي الأصالة سينتقدون بشدة تلوين الصور الملتقطة بالأبيض والأسود، إلا أن كوماسا أكد أن إضافة الألوان هدفت إلى جعل الفيلم أكثر جاذبية للمشاهدين اليوم أو {كسر الحاجز بيننا وبين سبعين سنة مضت}، وفق كوماسا.

أمضى المخرج ومحرره سنة في مشاهدة اللقطات التي تدوم ست ساعات، واختارا ما يناسب منها لإعداد فيلم له قصة متماسكة.

يوضح كوماسا: {أردت أن أعد بنية تعكس التوقعات التي كانت عالية في بداية الانتفاضة. ومن ثم نرى تدريجاً المدينة تُدمَّر والناس يفقدون ابتسامتهم. وأخيراً، تُمحى المدينة، إذا جاز التعبير}.

يقطن في لوس أنجليس عدد من أهل وارسو الذين شاركوا في الانتفاضة، بمن فيهم زبيغينيو بتريكا (84 سنة) وأندري ستيفانسكي (89 سنة).

عاشا كلاهما انتفاضة وارسو وما زالا يملكان ذكريات قوية عن هذا الصراع ليقارناها مع الفيلم.

يذكر بتريكا، الذي كان أصغر من أن يقاتل مع الجيش عام 1944: {أعتقد أن المخرج أراد أن يعكس حقيقة هذه الانتفاضة}.

يضيف، متحدثاً عبر الهاتف من منزله: {دعوني أعبر عن رأيي بهذه الطريقة: شاركت في النضال. كنت أحمل الرسائل من وحدة إلى أخرى. وكانت إحدى اللحظات المميزة حين طلبوا مني الوقوف حرساً وأعطوني بندقية. ما كنت أجيد استخدامها، إلا أنني شعرت بالفخر لأني أحمل بندقية. وقفت حرساً وكانت البندقية بطولي تقريباً}.

يؤكد بتريكا، عالم كيمياء سابق أتى إلى الولايات المتحدة عام 1964، أن الانتفاضة لم تكن لعبة بالتأكيد. ويتابع: «كان الناس يموتون بأعداد كبيرة. وكان الموت حاضراً دوماً».

كان ستيفانسكي في الثامنة عشرة من عمره حين شارك في الانتفاضة.

يقول عبر الهاتف: «انضممت إلى الجيش عام 1942. خضعنا للتدريب في مجموعات صغيرة. فلو اجتمعت الوحدة بأكملها للاحظ الألمان ذلك. أوقف عدد كبير من الناس وقُتلوا أو احتجزوا في معسكرات الاعتقال وقضي عليهم».

كان الطعام نادراً خلال الانتفاضة. وفي إحدى المرات، خاطر ستيفانسكي وجندي آخر بحياتهما في إحدى الليالي لقطف خضروات كانت مزروعة أمام نقطة تابعة للجيش الألماني.

يذكر ستيفانسكي، مهندس متقاعد أتى إلى الولايات المتحدة عام 1958: «يقول أحد الأشخاص في الفيلم: يستطيع الجنود القتال من دون سلاح، إلا أنهم لا يستطيعون القتال من دون طعام. اضطررنا إلى الزحف ونبش الخضروات بأيدينا. وعدنا سليمين من هذه المغامرة. ولكن بعد يومين، قام زميلي بمغامرة أخرى. لكنه أصيب خلالها ومات في اليوم التالي. كان الموت مصير كثيرين، إلا أنني أنا كنت محظوظاً جداً».

back to top