ما آلت إليه معالجة الخلاف بين وزير النفط د. علي العمير ومجلس إدارة مؤسسة النفط، أقل ما يمكن أن يقال فيها إنها أمر مؤسف، أو إذا أردنا توصيفاً أكثر صراحة هي أمر بائس يعكس بؤس إدارة الحكومة لشؤون البلد.
قرار مجلس الوزراء، المنشور أمس (الثلاثاء) في الصحافة، هو خضوع الحكومة ورئيسها لطلبات وزير النفط، بزيادة عدد أعضاء مجلس الإدارة، ليصبح 16 عضواً بدلا من 10، وبذلك يكون أكبر فريق كرة قدم مع الاحتياطي.كما أن هذا الخضوع من مجلس الوزراء لرغبة الوزير لتمكينه من الانفراد بالهيمنة على قطاع النفط أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه قرار لا يرتقي إلى مستوى المسؤولية، التي يفترض أن يتحلى بها مجلس الوزراء، الموكولة إليه إدارة شؤون البلاد والعباد حاضراً، وتوفير الأمان لمستقبلهم، وجاءت الترضية أو الإرضاء بذريعة حل وسط يؤدي إلى تدهور إدارة قطاع النفط، مصدر رزق أبناء البلد، حالياً وأبنائهم مستقبلاً.معلومات خاطئة ومضللةالوزير العمير كان ينكر أنه يريد الهيمنة الفردية على القطاع، وكان يدعي أنه لا يريد تغيير مجلس إدارة المؤسسة، بل إنه يريد فقط إضافة ثلاثة.. هذا ما قاله لرئيس مجلس الأمة ورئيس اللجنة الاقتصادية، وهذا ما نقل عنه إلى الجهات العليا، ولا أريد أن أقول إنه كان يكذب، ولنقل أعطى معلومات خاطئة ومضللة، وكان ينكر أنه قدم لمجلس إدارة المؤسسة قائمة بـ43 اسماً لعضوية مجالس إدارات الشركات التابعة للمؤسسة، وبعد أن نشرت جريدة الراي أسماء 23 رشحهم لمناصب قيادية في شركات اعترف بقائمة الأسماء المنشورة، والحقيقة هي 43 مرشحاً وليس 23.خيال المآتةويدعي العمير أن مجلس إدارة المؤسسة غير متعاون معه بصفته وزيراً للقطاع يتحمل المسؤولية السياسية، لأن المجلس لا يوافق على قراراته، وإنه لا يوافق على قرارات المجلس، وهنا يثار التساؤل: إذا كان يريد مجلساً يوافق على قراراته من دون اعتراض، ولا يريد الموافقة على قرارات المجلس، وبالتالي يجب أن يغيره لمجلس يوافق ولا يعترض على قراراته، فإذن لماذا تشكيل مجلس إذا كان المطلوب منه أن يكون مجلساً بصاماً على قراراته وآرائه، وألا يتخذ قرارات لا يوافق عليها الوزير؟ إذن ما فائدة هكذا مجلس؟ هل يريده مجلساً صورياً أشبه بخيال المآتة؟ وهل يوجد عضو يحترم نفسه يقبل بعضوية هكذا مجلس؟!وللتذكير، فقد نص مرسوم إنشاء المؤسسة (رقم 6 لسنة 1980 مادة 140) على اختصاصات وصلاحيات المجلس، وهي:- لمجلس الإدارة جميع السلطات اللازمة لإدارة المؤسسة.- وله اقتراح برامج مشروعات المؤسسة ومتابعة تنفيذها وتأسيس الشركات والمساهمة فيها وتملكها، واقتراح عقد القروض.- تعيين مجالس إدارة الشركات المملوكة للمؤسسة.- اقتراح مشروعات اللوائح التنفيذية للمؤسسة.أما في ما يتعلق باختصاصات نائب رئيس المجلس التنفيذي، فقد نص التعديل على مرسوم إنشاء المؤسسة، الذي صدر في عام 2007، إبان تولي محمد العليم وزارة النفط، على تحديد اختصاصاته، أي الرئيس التنفيذي، كالتالي: يختص الرئيس التنفيذي بالإشراف والتوجيه والرقابة على جميع أعمال المؤسسة والشركات التابعة لها، وهو مسؤول عن تنفيذ قرارات مجلس الإدارة، ويكون الأعضاء المنتدبون بالمؤسسة وشركاتها التابعة للمؤسسة مسؤولين أمام الرئيس التنفيذي.هذه اختصاصات إدارة المؤسسة والرئيس التنفيذي كما حددها مرسوم إنشاء المؤسسة.الوزير العمير يريد أن يسحب صلاحيات المجلس وصلاحيات الرئيس التنفيذي، بل وصلاحيات الرؤساء التنفيذيين في الشركات ومجالس إداراتها، ليضعها في يده وتحت هيمنته، وقد بدأ بمباشرة شيء من ذلك، حيث أصدر قراراً بعدم اتخاذ إجراءات في التوظيف أو الترقية أو النقل إلا بموافقته، بل طلب إعلامه بالشواغر، متى حدثت، والشواغر التي يمكن أن تحصل في المستقبل، وأضاف إليها أيضاً تكليف موظفين بمهمات في الخارج.عقلية الوزير العميربالله عليك، كيف تدار مؤسسة تضم 20 ألف موظف، ومثلهم عدد موظفي الشركات المتعاقد معها؟ وكيف يمكن إدارة قطاع مسؤول عن إنتاج نحو مليار برميل سنوياً (3 ملايين برميل يومياً) بمراحله، من الاستكشاف إلى الإنتاج إلى النقل إلى التصفية والتصنيع والتصدير، قطاع يعمل 24 ساعة في اليوم و365 يوماً في السنة؟ وكيف يدار قطاع ثروة البلد الأساسية، إن لم تكن الوحيدة، التي قيمتها 20 مليار دينار سنوياً، ومصدر معيشة أهلها في الحاضر ومستقبل أبنائها في القادم من الأيام، هل يمكن لعقلية مثل عقلية الوزير العمير أن تطمئن أهل البلد على أهم شأن في حياتهم؟لقد مر على قطاع النفط منذ عام 1992، أي ما بعد تحرير الكويت من الغزو، 11 وزيراً لا أحد يقول إنهم كانوا قمة في الإنجاز، وإنهم لم يرتكبوا أخطاء، إلا أن مجموع أخطائهم كان أقل من 20 في المئة من أخطاء العمير في سنتين.لكن السؤال الأهم، كيف وافق مجلس الوزراء على هكذا قرار؟ العمير يريد تغيير نصاب التصويت في المجلس، ويريد مجلساً لا يعترض على قراراته ولا يقر قرارات لا يوافق سيادته عليها، كما أنه لا يريد مجلساً له استقلالية ويضم أصحاب رأي، بل يريد مجلساً رهن إصبعه، مجلساً "لا يهش ولا ينش"، مجلساً بصاماً، مجلساً يتخلى عن مسؤولياته واختصاصاته التي نص عليها مرسوم إنشاء المؤسسة، وفي هذا تخريب لنظام إدارة قطاع النفط، بل مزيد من تخريب نظام إدارة البلد، أو ما تبقى منه.تناقضالغريب أن رئيس الوزراء كان قد وافق على إجراء تعديلات جذرية في تشكيل مجلس الإدارة، أهمها أن لا حاجة لممثلي الوزارات، باعتبار أن إضافتهم لأعمال المجلس محدودة، وأن هذه الوزارات ممثلة في المجلس الأعلى للبترول بوزرائها، وأن المجلس بصفته مهيمناً على إدارة القطاع يجب أن يتسم بالاستقلالية قدر الإمكان، فكيف يوافق رئيس الوزراء على أن يناقض ما وافق عليه قبل سنتين فقط، بل إنه أشاد بذلك القرار وتنفيذه واعتبره من أهم الإنجازات؟ألا يثير مثل هذا الموقف من رئيس الوزراء الدهشة والتعجب؟أهكذا يدار البلد؟.. خضوع لأهواء وزراء ورغباتهم الفردية، لاستخدام القطاع لأغراض سياسية، وإرضاء الأعوان وأعضاء مجلس الأمة وأصحاب المصالح، حلفاء وزير النفط العمير؟ كل ذلك فقط للحفاظ على وزير فاشل وإرضاء تياره ومحازبيه.وفي هذا الصدد، أتمنى على الإخوة أعضاء مجلس إدارة المؤسسة الحالي بعدم الاستقالة والبقاء في مواقعهم، لأن تخليهم عن المسؤولية هو بالضبط ما يريده وزير النفط، وربما أن بعض من اختارهم قد لا تسمح لهم ضمائرهم بمجاراته في تخريب القطاع وتدمير أنظمته، كما أنصح بقراءة مقالة الأخ جاسم السعدون "إذا كان رب البيت".
مقالات
موافقة مجلس الوزراء... خضوع وتخريب لإرضاء الوزير
17-06-2015