ما قل ودل: الرئيس في عامه الثاني بين الشرعية الدولية والوطنية والعدالة الاجتماعية ومنظومة الفساد

نشر في 14-06-2015
آخر تحديث 14-06-2015 | 00:01
 المستشار شفيق إمام أعتقد بيقين أن الرئيس السيسي الذي حاز ثقة الشعب المصري بأغلبية ساحقة من الأصوات العام الماضي ليس بحاجة إلى وصاية من الغرب، ولكنه يحتاج إلى تثبيت شرعيته الوطنية حتى لا تتآكل شعبيته، بسبب غياب رؤية ومنظومة واضحة للعدالة الاجتماعية وغياب سياسة واضحة وآليات حقيقية لتحقيقها.

عام من الإنجازات والشرعية الدولية

كان يوم 8 يونيو يوماً له تاريخ، فهو اليوم الذي تولى فيه العام الماضي الرئيس عبدالفتاح السيسي سدة الحكم في مصر، وقد حفلت الصحف المصرية بالإنجازات التي حققها خلال عامه الأول.

ومن الإنصاف أن نعترف للرئيس السيسي بأنه لا يألو جهداً في السعي إلى جذب الاستثمارات، وعقد اتفاقيات ثنائية مع العديد من الدول لتنفيذ مشروعات شرم الشيخ على أرض الواقع، وقد أصبح انتقاله من دولة إلى أخرى، والسرعة التي يتم بها هذا الانتقال من أوروبا الغربية إلى أوروبا الشرقية إلى إفريقيا وغيرها للإسراع في تنفيذ هذه المشروعات، واستقباله لرؤساء الدول وللشركات العالمية، مضرب المثل على الجهد الخارق الذي يبذله في هذا السياق.

ولكن أرفض ما تناقلته صحيفة الأهرام عن إحدى الصحف الأجنبية من أن الرئيس يكتسب بهذه الزيارات شرعية دولية، ذلك أنني أرفض رفضاً تاماً، أن تكون للغرب سلطة وصائية على إرادة الشعب المصري في اختياره لنظام الحكم الذي يراه وفي من يوليه ثقته بحكامه.

حتى لا تتآكل شعبية الرئيس

وأعتقد بيقين أن الرئيس السيسي الذي حاز ثقة الشعب المصري بهذه الأغلبية الساحقة من الأصوات التي حصل عليها في الانتخابات الرئاسية التي جرت في العام الماضي ليس في حاجة إلى مثل هذه الوصاية، ولكنه في حاجة إلى تثبيت شرعيته الوطنية حتى لا تتآكل شعبيته، بسبب غياب رؤية ومنظومة واضحة للعدالة الاجتماعية وغياب سياسة واضحة وآليات حقيقية لتحقيقها، فضلاً عن غياب سياسة واضحة ومنظومة كاملة وتشريعات وآليات قادرة على مكافحة الفساد.

فوضع منظومة لتحقق العدالة الاجتماعية، ووضع منظومة أخرى لمحاربة الفساد، هما المحوران الرئيسان اللذان يجب أن يضطلع بهما الرئيس في عامه الثاني لتثبيت شرعيته الوطنية، حتى لا تتآكل رغم كل الإنجازات التي حققها على المستوى الاقتصادي، وعلى المستوى الأمني في حربه ضد الإرهاب، أمام الضغوط الشديدة التي يتعرض لها المواطن من ارتفاع مخيف للأسعار أصبحت تنوء به حتى الطبقة المتوسطة، التي أصبحت بدورها تتآكل لتزيد أعداد الملايين تحت خط الفقر.

فمن يتصدون لمشروعات التنمية في النظام الحاكم الآن هم الذين كانوا يتصدون لهذه المشروعات، وبالآليات ذاتها في نظام مبارك، وهي عدم تدخل الدولة في تحقيق هذه العدالة، التي ستتحقق لا محالة- وفقاً لزعمهم- بزيادة الاستثمارات.

فضلاً عن عدم وجود بوادر لمكافحة الفساد الذي سرى واستشرى في مصر في عهد الرئيس مبارك، وفي تقرير لـ"المركزي" المصري للشفافية فإن الفساد يترتب عليه عجز في الموازنة بقيمة 20 مليار جنيه سنوياً، مؤكدا أن القضاء على الفساد يحتاج إلى استراتيجية واسعة، على رأسها تعديل جميع التشريعات الموجودة بالدولة بسبب وجود شوائب قانونية بها، تسمح للفاسدين بنهب المال العام.

الفساد المقنن

ذلك أن مصر انتقلت إلى مرحلة جدية، هي مرحلة الفساد المقنن، الذي أفرزه تزاوج المال بالسلطة، ليحتمي بالمؤسسات الدستورية، لسن القوانين التي تمنحه المزايا والتسهيلات المختلفة والإعفاءات والتخفيضات الضريبية، وإساءة استخدام هذه المزايا والتسهيلات لتتكدس ثروات مجتمع النصف في المئة، ليزداد شراسة في توسيع الفجوة بينه وبين سائر الطبقات ومنها الطبقة الوسطى، التي أصبحت تتآكل الآن، بسبب تطلعها إلى تحقيق مستوى أعلى من الرفاهية لها من خلال السباقات المجتمعية المتنوعة المتشابكة، للحصول على سكن أو مصيف أو مشتى في مجمعات مغلقة عليها، أو توظيف أموالها المدخرة لدى أباطرة هذه المجتمعات، يدفعها إلى ذلك إعلام الإعلانات المضلل في الفضائيات والصحف، لتحصل في النهاية هذه الطبقة على فتات الأيتام على موائد الأباطرة اللئام. وإن الدولة عاجزة حتى الآن عن استعادة هيبتها وسيادتها على المقاطعات التي تملّكها الأباطرة في عهد الرئيس مبارك، والذين لا يزالون يتمتعون بما نهبوه من المال العام، بل يتمادون في تحقيق المال الحرام من الشعب في غيبة أي رقابة من الدولة.

«بورتو مصر» يبيع الأوهام

ومن الأمثلة البشعة على ذلك، المسلسل المكسيكي "بورتو" الذي بدأه منصور عامر في مشروعه العملاق الأول "بورت السخنة"، في عام 2005 بعد أن أعلن وقف ثلث أرباح مشروعاته للخير، وصدّق الناس هذه المقولة.

وتدافع الناس إلى حجز وحدات هذه المنتجع الذي أقامه رجل الخير في ظل زخم هائل من الدعاية، ملأ به صفحات الجرائد اليومية، وكان يعلن فيه سعر الوحدة كل يوم، حيث يتغير سعرها بالزيادة من يوم إلى آخر كالبورصة، وهو سبب آخر للتدافع، وانطلى الزخم الإعلامي على الناس.

وحدد لكل حاجز يوماً لتوقيع العقد، بحجة واهية هي مراجعة الإدارة القانونية بالشركة، ولم يكن العقد إلا نموذجاً أعدته هذه الإدارة، ولكن كان للإرجاء سبب آخر هو ألا تصدم شروط العقد التعسفية بعض الحاجزين قبل أن يدفعوا مقدم الحجز، وهو مقدم غير قابل للرد، وهذه هي الحيلة الثالثة، في تسويق مشروعات بورتو.

والأغلب الأعم من الحاجزين وقّعوا العقد دون أن يقرؤوه، ومن قرأه منهم لم يفهم ما بين السطور من إهدار تام لحق الملكية والحقوق المتفرعة عنه، ومن شروط تعسفية لا مثيل لها في أي تعاقد.

الخطايا العشر للعقد

وعندما تذهب السكرة وتأتي الفكرة، لا يحس المستثمر الصغير أو المواطن البسيط أنه اشترى غير الأوهام، فالعقد مليء بالألغام التي تهدد حق الملكية تماماً، ونسوق منها، على سبيل المثال لا الحصر، ما يلي:

- أن البيع لا يشمل حصة في الأرض.

- أنه ليس من حق المشتري نقل ملكية الشاليه إليه ولو سدد الثمن كاملاً.

- أن المشتري لا يملك التصرف في الشاليه، ولو كان سدد الثمن كاملاً، لأن الشركة لم تنقل الملكية إليه بالتسجيل.

- أن الشركة لن تنقل هذه الملكية إليه مهما طال الزمن، لأنها تمارس سيادة الدولة بتحصيل رسوم التسجيل أضعافاً مضاعفة من كل من يتنازل عن وحدته لحسابها حيث تفرض 10 في المئة من قيمة الوحدة عن كل تنازل.

- أن الشركة تفرض على مالك الوحدة أن يسدد في بداية كل عام رسوماً سنوية لدخول المنتجع.

- أن استعمال المالك للشاليه مقصور عليه وعلى أقاربه حتى الدرجة الثالثة، ويفرض عليه عند استقباله لأي ضيف مبلغ مئة جنيه.

- أن استعمال المالك للشاليه مثقل بأعباء مالية كبيرة، فعليه أن يسدد رسوم صيانة سنوية تصل إلى آلاف الجنيهات رغم الوديعة التي سددها.

- أن مالك الوحدة يسدد أثماناً باهظة للشركة لاستهلاك الكهرباء واستهلاك المياه، بعيداً عن رقابة أجهزة الدولة المعنية بهذه الأمور.

- أنه لا يجوز للمالك تأجير الوحدة للغير، وأن عليه في حالة مخالفة هذا الحظر أن يؤدي إلى الشركة القيمة الإيجارية حسب سعر السوق، لأنها وحدها صاحبة الحق في التأجير.

الخروج على أغراض المشروع

والبيّن من هذه الألغام والشروط التعسفية وغيرهما مما يحفل به العقد، وينوء بها كاهل أي مالك وحدة، أن منصور عامر خرج على أغراض المشروع، ليحول المشروع بالكامل إلى فندق، وأن عقود التمليك التي أبرمها لا تعدو أن تكون عقوداً صورية– حسب نوايا رجل الخير- ليستطيع من خلالها:

1- إكراه المشترين على ترك وحداتهم التي اشتروها، وقد أصبح كاهلهم ينوء بالأعباء المالية التي فرضتها شركاته، وهم لا يستطيعون استغلالها وتأجيرها.

2- أن يضطر مالك الوحدة صاغراً إلى تسليم وحدته إلى شركة "بورتو" لتقوم بتأجيرها تأجيراً فندقياً للأفراد الراغبين في السياحة بالسخنة.

لا توجد جريمة كاملة

والآن ما ارتكبته بورتو هو جريمة بحق مشتري الوحدات، وبحق المال العام... وللحديث بقية.

back to top