ذهبت جهود أكثر من عشر سنوات من العمل، وعشرات بل مئات الملايين من الدنانير التي صرفت لحل مشكلة تعثر وتدهور حالة مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية من النواحي المالية والتشغيلية، أدراج الرياح بجرة قلم حكومية بالتراجع عن خصخصة المؤسسة وعودتها إلى حضن الحكومة عبر جعلها ناقلاً وطنياً، أي شركة مملوكة للدولة تديرها هيئة الاستثمار الكويتية، دون أي اعتبار للتشريعات التي صدرت بشأنها، والتي سيتم نسخها واعتبارها كأنها لم تكن.

Ad

فعلياً بُددت مئات الملايين من الدنانير من الأموال العامة وحتى الأموال الخاصة للكويتيين في سبيل إصلاح هذه المؤسسة، وفي النهاية انتكسنا على أعقابنا، وعدنا إلى المربع الأول، الملايين التي دفعت في سبيل الدراسات من أموال الدولة لإعادة هيكلة المؤسسة وتهيئتها للتخصيص ذهبت دون طائل، والملايين التي دفعت لآلاف من موظفي الشركة كمكافآت غير مستحقة لموظفين تسبب بعضهم في إفلاس وتردي شركتهم بسبب قلة إنتاجيتهم ومطالبهم المتتالية بزيادة الرواتب والامتيازات وتخفيض ساعات العمل، بل إن موظفي "الكويتية" هم رواد الإضرابات من طيارين ومهندسين، قبل أن تنتشر هذه الظاهرة الفوضوية في البلد، وفوق هذا كله منحوا معاشات تقاعدية خيالية باستثناء قانوني أقره مجلس الوزراء لهم تسدده الآن الدولة، وكذلك سيسدده كل كويتي من ماله الخاص عبر اشتراكاته الشهرية لمؤسسة التأمينات الاجتماعية، وسيظل متقاعدو الخطوط الكويتية وورثتهم لعشرات السنين المقبلة يحصلون منه على نصيب الأسد دون أي وجه من العدالة والإنصاف.

المصيبة أن الأموال الباهظة التي صرفت على تقليل العمالة المترهلة والكبيرة في السن غير المنتجة التي كانت ترفض التقاعد في "الكويتية" عبر منح الأموال والترضيات لها لتترك المؤسسة، ستتكرر فصولها مرة أخرى بعد عدة سنوات مقبلة.

إذ أعلن النائب خليل الصالح أن الرجوع عن خصخصة المؤسسة سيفتح الباب لتوظيف 3500 موظف كويتي فيها! ونحن لسنا ضد توظيف الكويتيين لكن ما هي أسس ذلك؟ وهل تتحمل المؤسسة أن تتحول مرة أخرى لتكون مرفقاً لنواب وأصحاب الحظوة لتعيين أقاربهم ومحاسيبهم.

الواضح أن أصحاب النفوذ ومن خطط لإيصال أوضاع الخطوط الكويتية لهذه الحالة من السوء بقصد ابتلاعها، وجد أن "اللقمة" كبيرة وصعبة الابتلاع والهضم، وذات أبعاد شعبية تمس كل الكويتيين، ويصعب أن ينفرد بها ليفعل ما يشاء، فآثر التراجع، وسبب تلك القرارات كذلك رؤية حكومية متذبذبة، فلا يمكن أن نقول إن ما يحدث لـ"الكويتية" هو اختلاف رؤى بين حكومات مختلفة، ففي الكويت الحكومات ذات نهج متصل، ومن يتوارث مناصبها هم أعضاء بارزون في الحكومات التي سبقتها، ولا توجد أغلبيات تتبادل تشكيل الحكومات، بل هناك سلطة واحدة تقوم بذلك وفقاً للدستور، لذا فإن العبث الذي يطال تلك المؤسسة الحيوية بسبب القرارات الحكومية يمس كل الكويتيين في مالهم العام والخاص، ومسؤولة عنه الحكومة الحالية التي توارثت القرارات التي صدرت بشأن المؤسسة، وبعضها كان مراسيم ضرورة، لكن يبدو أنه بات على الكويتيين أن يظلوا يعانون في الترانزيت في دبي والدوحة وإسطنبول حتى يصلوا إلى وجهاتهم بخدمة طيران محترمة ووتيرة متصلة، بينما شركاتنا الوطنية تخدم مسافري لاهور وبومبي وأسيوط، لعدم قدرتها على التطور ومجاراة العصر.

***

رغم تغول النظام الرأسمالي في الغرب وسطوته السياسية، فإن هناك معايير وحدوداً قانونية صارمة في ما يخص الرقابة المالية عندهم، لذا فإن الغرامات التي فرضتها الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا على عدة بنوك تلاعبت بأسعار الصرف، وبلغ إجماليها أكثر من خمسة مليارات، تثبت أنه لا مجال لسقوط الحقوق رغم أن تلك التجاوزات وقعت بين عامي 2007 و2013، وتم حساب كل العمليات التي تمت في تلك الفترة، بينما مجلس الأمة الكويتي أسقط من قانون صندوق الأسرة المادة التي تفرض على البنوك إعادة الفوائد التي جنتها دون وجه حق في القروض الشخصية بسبب - حسب وجهة نظر الحكومة والنواب - صعوبة حساب وتقدير تلك الفوائد!