الظلم ليس الوجه المظلم للعدل، ولا يمت له بنسب ولا حتى من باب التضاد!

Ad

بعض الصفات الإنسانية قد تتحول في ذروتها إلى نقيضها، أي أنها قد تتحول من سلبية إلى فعل إيجابي أو العكس، كأن يتحوّل الخوف مثلاً إلى فعل شجاع كما تفعل القطة عندما تُحشر في زاوية، أو أن تتحول الشجاعة المبالغ فيها إلى طيش، إلا أن هناك صفات من شدة بشاعتها خُلقت متفردة لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تكون سواها، الظلم إحدى هذه الصفات، الظلم لا يحمل سوى وجهه القبيح، ولا يتشكل سوى بملامحه العفنة، وليس له درب خلفي ولا ممر سري من أي زاوية كانت يؤدي إلى عشبة خضراء، أو قطرة ندى، وليس للظلم نافذة خلفية تفتح على مُرج طمأنينة، هو لا يمكن أن يكون وسيلتنا السوية لتحصين حقوقنا، اتباعاً لمقولة شعرية معبأة بماء النار مفادها «من لا يظلم الناس يُظلم»! جملة شريرة تحرّض على الظلم الاستباقي خوفاُ من عاقبة عدم الظلم، أي فكر ينتج مثل هذه الاستراتيجية الشيطانية؟!

كما أن الظلم لا يمكن أن يكون طريقا معبّدا بآهات الضيم للوصول في النهاية لبوابة العدل، من منطلق مقولة أخرى لا تقل سوءاً عن سابقتها تؤمن أن «المساواة في الظلم عدالة»!

المساواة في الظلم ليست سوى ظلم شامل، ليست سوى ظلم جماعي لا يستثني أحداً من قهره، ولا يوفر قلباً من سعير ناره، «المساواة في الظلم عدالة» جملة مرعبة بشرّها، وتتمثل قمة شرّها بمحاولتها إقناعنا بأن القضاء على قليل من الظلم يأتي عن طريق السماح لشهوة الظلم أن تتسع، وتكبر، وتتمدّد لتأكل قلوبا أخرى لم ينلها الظلم بعد، جملة غاية في الدهاء والمكر لا تجعلنا نفكر في الحصول على ما سُلب من حقنا، وإنما في سلب حق الآخرين! نفكر في الكيفية التي يسلب فيها نفس القدر من حقوق الآخرين ليتساووا بنا، وليس في الكيفية التي نتساوى بهم عن طريق الحصول على ذات الحقوق التي يتمتعون بها دون المساس بحقوقهم.

«المساواة في الظلم عدالة» جملة تتلاعب بالمفردات وتحاول إفراغها من جوهرها، فالمساواة مفردة ليس لها دلالة العدل، العدل يعني حصول المرء على حقه كاملا غير منقوص، أما المساواة فلا تعني سوى التماثل والتشابه في الحال!

كل المحاولات التجميلية لوجه الظلم، لا تجعل منه وجهاً جميلاً، هي فقط تزيف المرآة التي ننظر إليه من خلالها، أو تصادر أعيننا لتستبدلها بذاكرة بصرية مبرمجة لرؤيته بغير ملامحه، علماً أن الظلم أحد أكثر الأعمال السيئة وضوحاً، ولا يمكن أن تخطئه بصيرة ولا بصر، إنه ناصع السواد، فكل عمل يمس إنسانية إنسان لم ينتقص إنسانية آخر أو يؤذها، هو عمل ظالم.

والظلم لا يصبح ظلماً إلا بعد أن يقع، وهو لن يقع إلا بواسطة قوة تفرضه، والقوة لا تتأتى إلا عن طريق سلْطة ما، لذلك فإن الظلم غالباً ما يكون ربيب السلْطة!