منذ خمسة أشهر ينتظر سنة العراق تحول الالتزام الشيعي بالإصلاحات إلى نص قانوني مكتوب، يوضع في مجلس الوزراء ويرسل إلى البرلمان، ولب هذه الإصلاحات بالنسبة إليهم قضيتان، هما منح السُّنة حق الدفاع الذاتي عن مناطقهم، لضمان ألا يقعوا تحت رحمة جيش يديره الشيعة، وهو خطوة باتت تعرف بتشكيلات الحرس الوطني، والقضية الأخرى إلغاء "اجتثاث البعث"، الذي حرم منذ ١١ عاماً الآلاف من الضباط والتكنوقراط السُّنة حق الترشح في الانتخابات أو الحصول على وظائف رفيعة.

Ad

ووضعت لجان وزارية على طاولة الحكومة الثلاثاء مشروعي قانون لتسوية القضيتين، وجرى التصويت عليهما بأغلبية حكومية بسيطة، ويرقب العراقيون سجالاً في مجلس النواب حولهما، خصوصاً أن موضوع "البعث" ينطوي على حساسية شديدة عند الشيعة، وأقل منها بقليل عند الأكراد، بينما يمثل مشروع الحرس الوطني لوناً من الصدمة، لأنه بمنزلة منح السّنة "بيشمركة سنية" أو جيشاً خاصاً قد لا تسيطر عليه بغداد فعلياً حتى لو كان تابعاً للحكومة الاتحادية ورئيسها نظرياً.

ودون ظهور معلومات وافية حتى الآن بشأن النقاط الجديدة في المشروعين، فالواضح أن السُّنة رفضوا صيغة التنازلات المقدمة في مشروع تعديل اجتثاث البعث المعروف بـ"المساءلة والعدالة"، ورأوا أن الشيعة لم يقدموا تنازلات كافية بهذا الشأن، رغم اقتناع سني نسبي بصيغة الحرس الوطني.

ولم تنشر مسودة القانون الخاص بتعديل إجراءات الاجتثاث، إلا أن أبرز تنازل شيعي إنهاء عمل هيئة الاجتثاث خلال سنة، والعفو عن البعثيين الذين ثبت ولاؤهم للنظام السياسي الجديد وتخليهم عن نهج صدّام السياسي. إلا أن الشيعة قاموا بتثبيت فقرات تجرِّم أي فكر قد يوصف بأنه بعثي، ما اعتبره السّنة أداة يمكن استغلالها سياسياً لاتهام أي خصم لا يعجب القوي في السلطة، وحرمانه من المنافسة السياسية.

وليس واضحاً كيف ستسير الأمور في البرلمان، فإذا أوكل الأمر إلى السجالات بين النواب فسيتحول إلى حلبة استعراضات تلفزيونية قد تفسد نواة التسوية المطلوبة، لذلك فإن الاتجاه المعتدل في السياسة العراقية يعتقد أن المطلوب هو صفقة تنازلات متبادلة بين الزعماء السياسيين، تذهب جاهزة إلى البرلمان لتقر بهدوء، وهو لم يحصل، لأن زعامات الطرفين يتحرجون من تقديم تنازل يظهرهم ضعفاء أمام جمهور منقسم طائفياً بنحو حاد.