حسمت المحكمة الدستورية أمس، برئاسة المستشار يوسف المطاوعة وعضوية المستشارين محمد بن ناجي وخالد سالم وخالد الوقيان وإبراهيم السيف، أمر دستورية المادة 34 من قانون الجزاء، الخاصة بتجريم التجمهر، والمادتين 16 و20 من قانون التجمعات، مقررة بأغلبية أعضائها الحكم بسلامة النصوص المطعون عليها من الناحية الدستورية.

Ad

وعلمت «الجريدة» أن الحكم الذي أصدرته المحكمة يعد الأول من نوعه الذي يصدر بأغلبية أعضائها، بعد تحفظ عضوين من ثلاثة على الحكم الصادر امس، وهو الأمر الذي يسمح به قانون إنشاء المحكمة الدستورية، وسيتم نشر ذلك الحكم والتحفظ، بحسب المصادر، في الجريدة الرسمية في الأعداد المقبلة.

وأكدت «الدستورية»، في حيثيات حكمها، ان «التجمعات في الميادين التي تعاقب عليها مواد قانون التجمعات تعطل الحياة اليومية وحرية الافراد، ما تستوجب معها احكام من خلال التنظيم التشريعي تقوم على نصيب اوفى من الرعاية لاعتبارات المصلحة العامة والنظام العام».

أضرار التجمعات

وزادت ان تلك التجمعات تعوق حركة المرور وتنقل المواطنين والإضرار بمصالحهم، وتعطل الحركة الاقتصادية وتهدد السكينة العامة، لافتة إلى ان على الافراد الراغبين في تلك التجمعات ان يحصلوا على ترخيص من الجهات العامة، وهو ليس بخروج عن منطق الحرية، ويعد من قبيل الاجراءات الوقائية.

وتابعت ان «النعي الموجه الى نص الفقرة الاولى من المادة 34 من القانون رقم 31 لسنة 1970 بتعديل بعض احكام قانون الجزاء، بادعاء غموض وإبهام هذا النص الجزئي وانطوائه على اخلال بالقواعد الاجرائية، والتي تعتبر وثيقة الصلة بالحرية الشخصية، فهو نعي في غير محله، ذلك ان هذه الفقرة من تلك المادة حددت شروط قيام التجمهر في ان يكون مؤلفا من خمسة اشخاص على الاقل، وان يكون ذلك في مكان عام، وان يكون الغرض من هذا التجمهر هو ارتكاب جريمة ما او الاخلال بالامن العام، وان يكون المشتركون فيه عالمين بهذا الغرض، وان يبقوا متجمهرين بعد صدور امر رجال السلطة العامة بالانصراف».

واردفت: «واذ جاء نص هذه الفقرة من تلك المادة واضحا جليا جاعلا من توافر أركان جريمة التجمهر على الوجهة المبينة به في حق أي شخص فعلا مؤثما، متضمنا النص إنزال العقوبة عليه متى ثبت في حقه ارتكابها، وكان مدركا لحقيقتها ودلالتها الاجرامية إدراكا يقينيا متجها لتحقيق نتيجتها، وهي جريمة لا يتم إثباتها بمنأى عن تدخل سلطة الاتهام بالتدليل على توافر أركانها بشروطها المحددة وإثبات سلطة الاتهام لها فإن الادعاء بغموض ذلك النص الجزائي والتجهيل بالافعال المعاقب عليها لا يكون له محل، الامر الذي يغدو معه النعي على ذلك النص -من هذه الوجهة الدستورية- نعيا غير قائم على اساس صحيح».

حقوق طبيعية

وزادت المحكمة: «وحيث إنه عن النعي الموجه الى نصوص المواد 12 و16 و20 من المرسوم بقانون رقم 65 لسنة 1979 بشأن الاجتماعات العامة والتجمعات فهو نعي مردود بأن حق الافراد في التجمع وإن كان من الحقوق الطبيعية التي احتواها الاعلان العالمي لحقوق الانسان وكفلها الدستور الكويتي، الا انه لما كان هذا الحق بطبيعته لا يقتصر اثره على الفرد الذي يتمتع به، بل يمتد الى غيره من الأفراد والى المجتمع ذاته، لذلك لم يطلق الدستور هذا الحق، بل جعل جانب التنظيم فيه امرا مباحا طبقا لما نص عليه في المادة 44 من ان التجمعات مباحة وفقا للشروط والاوضاع التي يبينها القانون، على ان ذلك الحق انما يمارس وفقا لمقتضيات النظام العام بمدلولاته المتعارف عليها، وهي الامن العام والسكينة العامة».

وبينت: «لذا فقد حرص القانون بتقرير الأحكام الخاصة بالتجمعات في الطرق والميادين العامة، وعلى أن يكون ممارسة ذلك الحق الدستوري وفقا لمقتضيات النظام العام، متطلبا القانون الحصول على ترخيص مسبق من السلطة الادارية المختصة، وان يذكر في طلب الترخيص زمان ومكان التجمع، وذلك بالنظر الى ان مصلحة الفرد لا تتوازى مع مصلحة المجموع، ولا تتناسب البتة مع ما يصيب المصلحة الأخيرة من ضرر قوامه تشتت أجهزة الامن وضياع جزء من وقتها في المحافظة على النظام في أمكنة متعددة، وازمنة متفرقة، وما عسى ان يترتب على ذلك من اخلال بمقتضيات النظام العام وبالتالي الاضرار بالمصلحة العامة».

ضوابط وقيود

ولفتت المحكمة إلى انه «متى كان ذلك وكان الدستور وإن قرر للأفراد الحق في التعبير عن الرأي عن طريق التجمع السلمي إلا أن للقانون ان يضع لهذا الحق من الضوابط ويورد عليه من القيود ما يحول دون إساءة استعمال الفرد لحقه على وجه يضر بمصالح المجموع».

واوضحت: «وغني عن البيان ان ممارسة المشرع لسلطته التقديرية في مجال تنظيم الحقوق لا تكون بدرجة واحدة إزاء ممارسة الفرد لحقوقه الدستورية المتنوعة فيتسع نطاق سلطته التقديرية بالنسبة الى الحقوق التي قد يترتب عليها مساس بحقوق وحريات الآخرين، بينما تضيق سلطته بالنسبة الى غير ذلك من الحقوق الاخرى».

وقالت: «ولا شك في أن حق الأفراد في التجمع يدخل في نطاق الحقوق التي يملك المشرع إزاءها سلطة تقديرية واسعة في تلك التي يباشرها بالنسبة لحق الأفراد في الاجتماعات العامة، لان التجمعات في الطرق والميادين العامة إنما تمس حقوق وحريات الآخرين، لما عسى ان يترتب عليها من إعاقة حركة المرور وتنقل المواطنين والإضرار بمصالحهم وتعطيل الحركة الاقتصادية وتهديد السكينة العامة».

تنظيم تشريعي

وأضافت المحكمة: «وبالتالي فإن للمشرع ان يقيم من خلال ما يسنه من تنظيم تشريعي ما يحقق أسباب التوسط والتوازن بين اعتباري الحرية والنظام العام والتوفيق بين متطلباتها معا، بحيث يكون التنظيم كافلا لهذه الحرية من جهة وحافظا للامن والنظام من جهة اخرى، وينبني على ذلك انه ليس في اخضاع التجمعات لقيد الترخيص السابق في حد ذاته- خروجا عن منطق الحرية، اذ لا يعدو ذلك ان يكون من قبيل الاجراءات الوقائية ولا يعني اهدارا للحق في التجمع او تقويضه او الانتقاص منه او انتهاكه، فالترخيص ليس الا مجرد اجراء وقائي لتجنب ما عسى ان يحدث اثناء التجمع من اضطراب، وحتى تتمكن السلطة المختصة من اتخاذ ما يلزم من التدابير والاجراءات الكفيلة باستتباب الامن، مما قد يعكر صفوه، فضلا عن الحيلولة دون وقوع الجرائم ورد المخاطر ومنع الاعتداء على الاشخاص والاموال، وذلك تغليبا لمصلحة الجماعة على مصلحة الفرد».

وزادت: «ومما يؤيد ذلك المفاد ويدعمه ما حرص على تأكيده الاعلان العالمي لحقوق الانسان بنصه في البند (2) من المادة (29) على «الا يخضع اي فرد في ممارسة حقوقه وحرياته الا الى القيود التي يقررها القانون مستهدفا حصرا ضمان الاعتراف الواجب بحقوق وحريات الآخرين واحترامها والوفاء بالعادل من مقتضيات الفضيلة والنظام العام».

واردفت: «فعبارة النص واضحة ظاهرة محددة المعني بأن الحرية لا تتعارض مع التنظيم، وان كل فرد حر في حدود احترام حريات الآخرين، وانه ايا كان وجه الاختلاف في تحديد نطاق الحريات الفردية ومدلولها فإن ثمة حقيقة لا ريب فيها ان الحرية المطلقة -بمعناها الواسع- هي الفوضى، وفي إطلاق الحريات من غير حد او ضابط مدعاة للاضطراب».

أسباب جدية

وأشارت المحكمة الى انه «لا وجه للقول بأن سلطة الجهة الادارية -عند تطبيق ذلك النص- هي سلطة طليقة من كل قيد، إذ إنها تخضع لضوابط وحدود، فلا يجوز لها ان تستعمل سلطتها برفض الترخيص بما يفضي الى عرقلة الحق في التجمع، او تقييد هذا الحق الا لضرورة تقتضيه، وفي حدود تلك الضرورة دون تجاوزها، وان يكون تصرفها قائما على اسباب جدية منتجة في الدلالة على المعنى الذي تقصده من وراء ذلك غير مشوب بإساءة استعمال السلطة متى صدر في المواعيد المعقولة، وغني عن البيان ان ما يصدر عنها من تصرف متعلق بهذا الامر انما يخضع دوما لرقابة القضاء لدى تحريك ولايته واستنهاض اختصاصه في هذا الشأن ليقسط ميزانه في اطار مبدأ المشروعية».

واستطردت: «وحيث إنه عما اثاره حكم الاحالة حول إمكان انطباق المبادئ الرئيسية التي قضي بموجبها بعدم دستورية المواد المتعلقة بالاجتماعات العامة على التجمعات خلوصا الى عدم دستورية النصوص الطعينة إعمالا لحكم القياس فهو غير سديد، إذ من المسلم به -كقاعدة عامة- انه لا يساوى بين مختلفين باعتبار انهما مقيس ومقيس عليه حال كون كل منهما يختلف عن الآخر اختلافا يتصادم او يتنافر مع اعمال حكم القياس».

واوضحت: «الحاصل انه لا يساوى بين الاجتماعات العامة والتجمعات لما بينهما من تباين في الطبيعة والآثار، ووجه الاختلاف ظاهر بالنسبة الى التجمعات، إذ إنها تتكون في الطرق والميادين العامة، كما انه وإن كان كلاهما وسائل للتعبير عن الرأي الا ان طريقة التعبير فيهما مختلفة، فالتجمعات وبحسب طبيعتها وبحكم تكوينها ادعى الى تعطيل الحياة اليومية وحرية الافراد، مما تستوجب معها احكام من خلال التنظيم التشريعي تقوم على نصيب اوفى من الرعاية لاعتبارات المصلحة العامة، والنظام العام والحفاظ على السكينة العامة، والتزاما اكبر لتوفير الامن لهذه التجمعات من جهة وللمواطنين غير المشاركين فيها من جهة اخرى».

حدود التجمع

والمحت المحكمة إلى انه «واذا لم تجهل النصوص الطعينة حدود التجمع، والذي يعتبر تعيينه امرا اوليا للترخيص به مقررة النصوص المتعلقة بالتجمعات انزال العقوبة على المشتركين في هذا التجمع دون صدور ترخيص به وعلى العاصين للامر الصادر بفض ذلك التجمع، وهو بما يعني بقاء الحق الدستوري في التجمع مصونا لا يتطرق اليه التخلي او النقصان».

وتابعت: «ولا ينال من ذلك ان النصوص المطعون بعدم دستوريتها تتعلق بالحريات العامة، وان التجمع المنصوص عليه فيها متى ما اطلق فهو ينصرف الى التجمع السلمي الذي يقتصر على التعبير عن الرأي الذي لا يجوز كتمانه باعتباره حقا دستوريا، ذلك ان المقصود بالتنظيم الذي رسمه القانون بشأن الحصول على ترخيص بإقامة التجمع إنما هو لحماية حق دستوري آخر هو حرية الآخرين والحفاظ على النظام العام والامن الاجتماعي فالتوازن دقيق بينهما».

واكدت ان «مرد الامر في رفض الترخيص بالتجمع انما يخضع للرقابة القضائية على ما تقدم، وبالتالي فان المشرع بمقتضى ما اورده بهذه النصوص في هذا النطاق لا يكون مجاوزا دائرة التنظيم او مناقضا لاحكام الدستور في مجال حرية التعبير وحق التجمع، او مناهضا للمبادئ العامة في التجريم والعقاب، وبالترتيب على ما تقدم جميعه يتعين القضاء برفض الدعوى، فلهذه الاسباب حكمت المحكمة بأغلبية الآراء برفض الدعوى».