أين الدستور؟
إن الكتابة عنكم أفضل لكم ألف مرة من كتم الأنفاس، إنكم تسمعون وترون وتقرؤون رأي الناس، ورأي الشعب بكم، وما يكتبه شاب أو شابة ليس رأيا شخصيا أو خاصا، إنما هو تعبير عما في صدور غالبية الكويتيين المخلصين للبلاد، وإن الزج بهؤلاء في السجون وإبراز العضلات للناس فعل عفا عليه الزمن.
عندما أُعلن دستور الكويت في بداية الستينيات كان الرأي أنه دستور جيد يتيح قدراً من الحريات يفوق عدداً من الدول العربية، وكانت الفرحة به رغم ما فيه من قصور كبيرة؛ لأن المواطن أحسّ أن "أبا القوانين" يتيح له أن يتنفس ويقول ويكتب ويعبر عما يراه دون قيد أو شرط، وكان يفترض كما جاء في الدستور أن تتطور الحريات إلى الأفضل، وكان شرط تعديله أن يكون خطوة إلى الأمام أي إلى مزيد من الحريات.وجاءت أدوات عصر التواصل الاجتماعي، ففتحت للعالم باباً أكبر للقول والكتابة والتحاور في كل الأمور، وأمام تحفظ أصحاب بعض منافذ الرأي التقليدية كانت الوسائل الحديثة باباً تنفس منه الناس نسيم الحرية، وجاءت الكتابات والحوارات فيه صريحة وواضحة وموجهة مباشرة لصاحب القرار، ولو كنا في بلد ديمقراطي حقيقة لكانت هذه الوسائل باباً ينفع متخذ القرار، ووسيلة لتقييم الأداء ومعرفة نواحي الخلل والشكوى، ولوجد فيها ما يعينه على الإصلاح، هذا ما تفعله الدول الديمقراطية والأقل ديمقراطية، فتستفيد من آراء الناس ونقدهم مهما كان حادا أو جريئا.
في بلدي بعد أكثر من ستين عاما نجد أنفسنا نقف في صف واحد مع الأنظمة القمعية والرجعية في الوطن العربي، وأصبحنا نسمع كل يوم عن شاب أو شابة يحقق معهما ويحكم عليهما لسبب واحد أنهما قالا أو كتبا رأيا صريحا في شأن عام، وفرض على الصحف نشر مقالات للسبب نفسه، وأحيلت صحف للمحاكم لأنها في عرف الحكومة تطاولت، وقالت ما كان يجب أن يبقى طي النفوس حتى تنفجر. إن الكتابة عنكم أفضل لكم ألف مرة من كتم الأنفاس، إنكم تسمعون وترون وتقرؤون رأي الناس، ورأي الشعب بكم، وما يكتبه شاب أو شابة ليس رأيا شخصيا أو خاصا، إنما هو تعبير عما في صدور غالبية الكويتيين المخلصين للبلاد، وإن الزج بهؤلاء في السجون وإبراز العضلات للناس فعل عفا عليه الزمن، فلم تعد الشعوب تخاف أو تتقهقر، وقد تأتي النتائج مكلفة وخسارة أكيدة لنا جميعا.حين كان المرحوم الشيخ سعد يحاور الناس، قال في إحدى جلسات الحوار، إنه متضايق من المناشير والكاسيتات التي انتشرت في الكويت وقتها، فقلت له إن الناس كان عندها مجلس أمة وصحافة توصل رأيها عن طريقها، وأنتم أغلقتم المجلس وتحكمتم في الصحافة، فما لنا إلا المنشورات والكاسيتات لنوصل رأينا لكم. والآن لم تعد الصحافة ومجلس الأمة كافيين لتوصيل الرأي، خاصة بعد التغييرات النيابية والحظر على الصحافة، وليس أمامنا إلا وسائل التواصل الاجتماعي لكي نوصل الرأي لكم، ولتسمعوا بكل وضوح ما نراه صحيحا وما نراه خطأ. ولن تستطيعوا إغلاق هذه الوسائل ولا الحد من انتشارها، والأفضل أن تطلقوا المعتقلين من الشباب وغيرهم، وأن تشكروهم على شجاعتهم، وأن تطمنوهم على بلدهم ومستقبلهم، فهؤلاء الشجعان الصرحاء يجب أن يشكروا لا أن يسجنوا مهما كانت حدة وصراحة نقدهم، فهي في النهاية تصب في مصلحتكم ومصلحة الوطن، وليس لأي منهم عداوة شخصية معكم.