سواء استمرت أسعار النفط في الانخفاض، كما هو متوقع، أو ارتفعت فإن تنويع مصادر الدخل الوطني يعتبر مسألة في غاية الأهمية يجب أخذها على محمل الجد، وهو الأمر الذي يتطلب إصلاحات جذرية وشاملة للاقتصاد الوطني، أي حزمة إصلاحات متكاملة تُبنى على نماذج اقتصادية جديدة ومبتكرة تناسب ظروفنا، ومرحلة تطورنا بحيث تعالج الاختلالات الهيكلية للاقتصاد، وتحقق العدالة الاجتماعية، والتوزيع العادل للثروة الوطنية.

Ad

النفط الخام مادة آيلة للنضوب، وهناك محاولات جادة لإيجاد بدائل جديدة للطاقة تحل محله مثل الطاقة النظيفة، والنفط الصخري الذي تنتجه أميركا حالياً، أما أسعار النفط فهي متذبذبة تحددها آليات السوق. وقد كانت هناك منذ أكثر من نصف قرن، ولاتزال، مطالبات شعبية وسياسية تنادي بعدم الاعتماد على استخراج النفط الخام كمصدر وحيد للدخل الوطني كما هو الوضع حالياً، وبضرورة تنويع مصادر الدخل، ومن ضمنها إنتاج مشتقات نفطية مثل الصناعات البتروكيماوية حتى لا نكون تحت رحمة تقلبات الأسواق النفطية التي تخضع لعوامل خارجية كثيرة لا نستطيع التحكم فيها.

لهذا، فإن كان انخفاض أسعار النفط قد شكّل، كما يبدو، مفاجأة للحكومة فتلك مصيبة، وإن كانت الإجراءات التي تنوي الحكومة اتخاذها هي إجراءات تزيد اختلالات المالية العامة وانحيازها، ولا تعالج اختلالات الاقتصاد الوطني فالمصيبة أعظم.

وعلى أية حال، سواء استمرت أسعار النفط في الانخفاض، كما هو متوقع، أو ارتفعت فإن تنويع مصادر الدخل الوطني يعتبر مسألة في غاية الأهمية يجب أخذها على محمل الجد، وهو الأمر الذي يتطلب إصلاحات جذرية وشاملة للاقتصاد الوطني، أي حزمة إصلاحات متكاملة تُبنى على نماذج اقتصادية جديدة ومبتكرة تناسب ظروفنا، ومرحلة تطورنا بحيث تعالج الاختلالات الهيكلية للاقتصاد، وتحقق العدالة الاجتماعية، والتوزيع العادل للثروة الوطنية.

وكما ذكرنا غير مرّة، فإن الإصلاح الاقتصادي لن يتحقق ما لم يكن ضمن مشروع إصلاحات سياسية توسّع المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار وتُعمّقها، وتُفعّل دور المؤسسات الدستورية بحيث تتم محاسبة كبار الفاسدين وسراق المال العام، وتُعيد هيكلة أجهزة الدولة ومؤسساتها كافة، إذ إن العملية ليست مجرد استقطاع مبالغ مالية من "الطبقة" الوسطى والفقراء على شكل فرض رسوم جديدة أو زيادة الرسوم الحالية، وفرض ضرائب غير مباشرة على الدخل، ستذهب إلى جيوب كبار الأغنياء كما ذهبت قبلها مليارات الفوائض المالية التي تحققت خلال السنوات السابقة.

ومرّةً أُخرى، فإنه لا خلاف على ضرورة ترشيد الإنفاق العام وعدم هدر الثروة الوطنية واستنزافها، ولكن الخلاف يتعلق بالإجابة عن السؤال كيف يتم ذلك؟ ما طُرح حتى الآن لا يخرج عن توصيات البنك الدولي و"روشتة" صندوق النقد الدولي التي تتنبى نماذج اقتصادية ثبت فشلها في دول كثيرة من ضمنها تونس ومصر، لأنها تُكرّس انحياز المالية العامة لصالح مجموعة قليلة ثرية كي تزداد ثراءً، بينما تُحمّل أصحاب الدخول المتوسطة والمتدنية نتائج الفساد السياسي المؤسسي وسوء الإدارة، وهذا لن يحل الاختلالات البنيوية التي يعانيها اقتصادنا الوطني، ولن يُعالج تشوهات الموازنة العامة، بل سيزيدها تشوهاً.

أما مساهمة المواطنين في حل تشوهات الموازنة العامة فهي مسألة في غاية الأهمية، ولكن هذا يتطلب مشاركتهم الفعلية في اتخاذ القرارات العامة كي يعرفوا لمن ستذهب الأموال بعد تحصيلها، وكيف تدار المالية العامة للدولة؟