يتناول «تحت مقص الرقيب» تاريخ الرقابة على السينما في واحدة من أعرق الإمبراطوريات الأوروبية، والمفارقة أن كثيرين يرون الرقابة في دول العالم الثالث إحدى أقسى الرقابات في العالم، وأنها متهمة دائماً بمجابهة حرية التفكير والتعبير الفني والأدبي.

Ad

أوضح ماثيوز أن تاريخ الرقابة في بريطانيا ارتبط بالمحظورات الثلاثة «الجنس والدين والسياسة»، وتقييد حرية المبدع، والخوف من التأثير الطاغي للفن السابع على الجمهور، وطاول «مقص الرقيب» المئات من الأعمال السينمائية على مدى قرن كامل، كذلك تعد السينما أحد أكثر الفنون شهرة في اصطدامها بالرقابة، ولا يختلف الأمر بين دول العالم الثالث والمتقدمة. كذلك بيَّن كيف دخل الفن السابع إلى حلبة الصراع مع «مقص الرقيب»، وتناثرت الأشرطة المصادرة والممزقة، وظل الصدام قائماً بين المبدع والقوانين الرقابية بأشكالها المتعددة.

المفارقة أن بعض الأجهزة الرقابية يمرر الأعمال الفنية الهابطة، ويتعسف مع الإبداع الجاد، ويتخوف من طرح الفنان السلبيات الاجتماعية والسياسية، ويعمل على قمع الأفكار الجريئة، ويتذرع بضوابط حرية التعبير، وعدم الجنوح إلى الفوضى الفكرية.

تطرق ماثيوز في كتابه إلى إشكالية العلاقة بين المثقف والرقابة، لافتاً إلى أن تاريخ المصادرة لم يثبت جدواه على مر العصور، وظلت إبداعات كثيرين حاضرة في أزمنة لاحقة، وظهرت تيارات أدبية وفنية جديدة عدة، وتمردت على الأنساق الكلاسيكية والمهادنة، ودفع بعض المبدعين ثمن حريته في السجون والمنافي.

إسقاطات رمزية

 لفت ماثيوز إلى خوف الرقابة من الإبداع، لا سيما ذلك الوسيط المرئي "السينما”، وتجاوز المسموح من التعبير، والأكثر مأسوية تسرب هذا الذعر إلى المبدع، وممارسته لدور الرقيب على عمله سواء كان السيناريو أو النص الأدبي، والحذف والتبديل والقمع لمخيلته وحرية تفكيره وإبداعه، كما أن الممارسات الرقابية تقترن أغلبها بالتعسف، وتتناقض مع اتساع دائرة الميديا، وظهور الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي، وينحصر دورها في قمع الفكر والإبداع الماثل تحت طائلة {مقص الرقيب}.

أطروحات ماثيوز تعيد إلى الأذهان عصر محاكم التفتيش والمكارثية، واستبدال مقص الرقيب بوسائل البطش والتنكيل، وفي أفضل الأحوال إبداء الملاحظات لصاحب العمل المرئي أو المقروء، ومحاصرته بين المصادرة والإبداع الحذر، كما أن الرقابة أرقت المثقفين على مر العصور، ودفعت بهم إلى أشرس المعارك، ولم يتحمل البعض قسوة القمع، ولجأ إلى ما يسمى بالإسقاطات الرمزية، واستحضار شخوص من التاريخ، واستنطاقها بالنقد السياسي والاجتماعي، وكشف سلبيات الحقبة الحالية.

تخوفات مشروعة

أشار ماثيوز إلى أن الرقابة منذ مولدها وحتى اليوم، ارتدت أقنعة متنوعة تتماشى مع الأعراف الاجتماعية، واكتسبت صلاحيات أكبر بمعدل بطيء، لكنها ظلت خاضعة لما سماه المؤرخ غوفري بيرسون «التخوفات المشروعة»، كذلك الرقابة لها اليد العليا حتى الآن، وهناك رقابات متعددة قمعت الإبداع في مختلف المجالات، وقلصت من إمكانية تناول مشاكل وهموم إنسانية، وتحالفت القوى المحافظة والأصولية لقمع أية محاولة جادة للتعبير عن الواقع، كما يواجه المبدع العديد من الأقنعة الرقابية الأخرى، وتتمثل في المتلقي لعمله الفكري أو الفني، ورفضه لطرح سلبيات شرائح من المجتمع، ويتضاءل «مقص الرقيب» أمام دعاوى قضائية مطالبة بمنع أفلام وروايات وكتب فكرية.

ينتهي ماثيوز إلى أن الرقابة في كل زمان ومكان مهما حسنت نواياها، وارتدت من أقنعة، ستظل قيدا صارماً على حرية الفكر والإبداع، وأحد أشكال الوصاية على الفنان والمتلقي معا، وفرض ذائقة ثقافية بعينها، حتى لو استبدلت البطش والتنكيل ضوابط التعبير و{مقص الرقيب».

تجدر الإشارة إلى أن المؤلف توم ديوي ماثيوز صحافي بريطاني متخصص في الكتابة عن السينما، ويكتب في عدد كبير من الصحف البريطانية، منها «الغارديان» و{تايم آوت».

أما المترجمة نهاد إبراهيم، فناقدة مسرحية وسينمائية، حاصلة على درجة الدكتوراه في النقد الأدبي من المعهد العالي للنقد الفني بأكاديمية الفنون المصرية، صدر لها عدد كبير من الأعمال منها «شهرزاد في الأدب المصري المعاصر»، و{توفيق الحكيم من المسرح إلى السينما»، والمجموعة الشعرية «في بيتنا شجر التوت».

مراجع الكتاب علي أبو شادي، الناقد والباحث السينمائي المعروف، أمين عام المجلس الأعلى للثقافة الأسبق، كذلك شغل منصب رئيس الرقابة على المصنفات الفنية، رئيس المركز القومي للسينما، رئيس المهرجان القومي للسينما المصرية. صدر له عدد كبير من الكتب السينمائية نذكر منها «سينما وسياسة»، «خمسون فيلما من كلاسيكيات السينما المصرية»، «اتجاهات السينما المصرية»، و»أبيض وأسود».