البديل المدني الديمقراطي... من جديد
في المنعطفات التاريخية المهمة وأثناء الأزمات السياسية– الاجتماعية يبرز دائماً الصوت الوطني الجامع الذي تُعبر عنه القوى المدنيّة الديمقراطية، لأنها وحدها القادرة على تقديم البديل الوطني الديمقراطي الذي يُوحّد جميع المكونات الاجتماعية حول قضايا ومطالب وطنية عامة، فالجماعات الفئوية والطائفية والعنصرية التي تتكاثر عادة أثناء الفوضى السياسية وعدم تقنين العمل السياسي وتنظيمه على أسس مدنية ديمقراطية، ليس لديها، بحكم طبيعتها، برامج وطنية عامة، أو رؤية لبناء دولة عصرية تتسع للجميع، إذ ليس لديها إلا ما يفرق الناس ويجعلهم ينشغلون بقضايا جانبية وهامشية لا علاقة لها بالصراع الأساسي في المجتمع.من المستحيل أن تُقدّم القوى المتخلفة وغير الديمقراطية بديلاً ديمقراطياً يطلق الحريات العامة، ويحمي حقوق الإنسان، ويساوي بين المواطنين في الحقوق والواجبات، ويحقق العدالة الاجتماعية، حيث إنها لا تختلف، من ناحية التوجه الاقتصادي، عن الأنظمة الاستبدادية المخلوعة، وهمها الأساسي، في الجانب السياسي، هو الوصول إلى السلطة بأية طريقة كانت، من أجل احتكارها وإقصاء الرأي الآخر ثم العمل الدؤوب بعد ذلك على تكريس تخلف المجتمع والعودة به عقوداً إلى الوراء كما اتضح جلياً أثناء حكم "طالبان" في أفغانستان، وكما تبيّنه نوعية الممارسات البربرية لتنظيمات "القاعدة" و"النصرة " و"داعش" و"بوكو حرام "ومشتقاتها في سورية والعراق وليبيا ونيجيريا وغيرها، فضلاً عما يقوم به الحوثيون، وهم النسخة المتخلفة الأخرى، في اليمن حالياً.
لهذا، فإن مسؤولية تقديم بديل مدني ديمقراطي للوضع السياسي- الاقتصادي الحالي السيئ تقع على عاتق القوى والعناصر المدنية الديمقراطية الملتزمة فعلا بالدستور، والتي عملت ومازالت تعمل من أجل استكمال بناء الدولة الدستورية الديمقراطية العصرية.وفي هذا السياق، فإنه من الأهمية بمكان أن توضّح القوى المدنيّة الديمقراطيّة للرأي العام أهمية موقفها المستحق والمتسق مع قناعتها الثابتة في الدفاع عن الدستور والديمقراطية عندما شاركت في الحراك الشعبي الاحتجاجي الرافض لانفراد الحكومة بتعديل النظام الانتخابي، والذي ضمّ قطاعاً واسعاً ومتنوعاً من المواطنين، وهو الموقف الذي تحاول تشويهه قوى الفساد والقوى المعادية للنظام الدستوري الديمقراطي.لهذا ولكي تتفادى قوى التقدم والتغيير الديمقراطي مشكلة خلط الأوراق وتداخل الألوان التي تحاول قوى الفساد السياسي المؤسسي خلقها، فإن عليها أن تبيّن للناس من خلال بديلها المدني الديمقراطي أن موقفها الاحتجاجي المطالب باحترام الإرادة الشعبية وعدم التعدي على الدستور والانفراد بالقرار لا يعني، بأي حال من الأحوال، اتفاق مطالباتها المستحقة بالإصلاح السياسي الشامل وتطوير النظام الديمقراطي من أجل الوصول تدريجياً إلى النظام البرلماني الكامل، مع مطالب القوى الفئوية أو الطائفية أو العنصرية التي تتجاهل القضايا المعيشية للناس ويطالب بعضها بنسف الدستور من أجل صياغة "دستورها" غير الديمقراطي الذي يجعلها تنفرد بالسلطة إلى الأبد وتُصفي من يخالفها، علاوة على توضيح عدم اتفاقها، أي القوى والعناصر المدنية الديمقراطية، مع ما تطرحه القوى المتخلفة وغير المدنية من شعارات سياسية غير واقعية لا تأخذ في الاعتبار موازين القوى السياسية أو طبيعة المرحلة أو المواءمة السياسية.