استثمار الروح الوطنية
أجمل ما تشاهده العين في عيد الكويت الوطني هو هذه الفرحة المطلة من قلوب تنضح بحب الكويت، حب صادق أصيل يشع من عيون الناس ومن ردود أفعالهم العفوية التي تعكس مشاعرهم الحقيقية تجاه وطنهم الكويت، محبة من الوريد إلى الوريد لا تحتاج إلى إعلانات أو مزايدات، تختفي منها كل الانتماءات والاختلافات العرقية والقبلية والدينية والطائفية والعنصرية، ويتساوى الجميع في لحظة الحب هذه، التي تكشفها المخاوف والمحن حين تهدد أمن واستقرار كويتهم، وتضيع لحظتها مخططات من يريد الإضرار بها وتفشل ريحهم.هذا ما أثبتته كل المحن التي مرت على هذا البلد الصغير بمختلف انتماءات ناسه، فعند الشدة يتناسون كل خلافاتهم ويظهر معدنهم الأصيل الحقيقي الصادق حب الكويت، وهو ما ينعكس تماماً في تعبيرهم وفرحهم بأعياد الكويت الوطنية، ولا أظن أن هناك بلداً آخر يحمل كل هذا الفرح في عيد بلاده الوطني.
لذا يجب أن يستثمر رعاة الدولة هذا الشعور والحب الوطني العفوي الصادق في خطط تنموية بأهداف مرسومة لبناء مواطنين يعشقون بلدهم ويحافظون عليه ويحمون مصالحه التي هي صالحهم، منذ الصغر من المراحل الدراسية الأولى أي من رياض الأطفال وحتى المرحلة الجامعية منها، يجب أن تكون هناك خطط وأهداف دقيقة صارمة وواعية للمستقبل الذي نريده لهذا الوطن، فطالما أن الأساس في هذا الشعب هو حبه الصادق لوطنه الذي لا تظهره إلا الشدائد والمحن والأفراح الوطنية، فيجب على المسؤولين استثمار واستغلال هذا الحب ببناء هذا الوطن، وخلق تربية وطنية ذات أهداف محددة واعية وصارمة تعيد تأسيس روح وطنية تؤلّه وطنها وتبنيه وتحميه من كل من يريد شق صفه، حتى وإن تشبهت بنظام هتلري، لما لا تكون هناك خطة هتلرية لبناء شباب يبنون وطنا، وجدار فكر وطني يصعب اختراقه من قبل كل المتشددين والإرهابيين والعنصريين والهدامين، ولكل من يريد استغلال فرص الثورات المجاورة ليقوم ببطولات هزلية كرتونية تنتحل اسم وإرادة شعب لم يمنحها هذا التوكيل باسمه، فقط لتشق وحدة صفوف هذا الشعب الطيب عبر خداع شبابه والعبث بعواطفهم وطاقاتهم المتوهجة، وزجهم في قضايا تعود بمردودها لمستغلي هذه الفرص لتسديد وتمرير طموحات وأطماع شخصية ذات أهداف انتقامية، لا دخل للشباب بها وبعداواتها الخاصة.لابد من قيام الدولة بعمل مشاريع وخطط ذات أهداف تنموية لبناء الفكر والروح والجسد عبر إعادة النظر في المقررات الدراسية كلها، وأن تشمل الرياضة بمختلف أنواعها للصبيان والبنات، أيضاً المسرح المدرسي ودروس الرسم والموسيقى، ومشاركة الشباب في الكثير من القرارات، وأن يكون لهم دور إيجابي فيها بحيث يقومون بصنع مستقبلهم وتحديد أهدافهم المرجوة منه. عندما ننمي جدار الفكر البناء هذا سيصعب على أي دجال اختراقه وتجييش الشباب لمصلحة أفكاره الهدامة.من الضروري أن يتساوى دور رعاية الشباب من الجنسين في خطة التنمية هذه، لا فرق بين بنت أو ولد، فمعطيات زمننا هذا لم تعد تفرق بينهما، ومثال على ذلك، كنت أعتقد أن الفساد وخراب الذمم أمور خاصة بالرجال ولكن بدأ يتكشف لنا في الكويت وليس بعيداً عنها، أن النساء قد دخلت في هذا المجال أيضاً، حين كُشف في الأسبوع الماضي عن مديرة فرع البنك التجاري التي سرقت أموال المودعين، وأيضاً رئيسة إدارة هيئة الزراعة التي ساهمت في توزيع قسائم زراعية لأهلها... إذن يجب إعادة النظر في تصحيح كل هذه الأمور وضبطها، وفتح ملفات الفساد كلها لتنظيف الأساس الذي سيقوم عليه البنيان القادم كله، وحتى يكون قدوة ومصداقية لحسن النية وصدق جدواها، هذا إذا كانت هناك نية لنفض كل ملفات الفساد التي أدت إلى التطاول على هيبة القانون وهيبة الدولة، وأتاحت الفرصة لكل من هب ودب لأن يعمل على شق الصف وإثارة الحزازات والنعرات القبلية والدينية والطائفية، وتأليب الشباب ضد وطنهم.شعب الكويت طيب ومحب وبسهولة تُكتشف طيبتهم، هم في حاجة فقط إلى قوانين حازمة عادلة تضبط ميزان الأمور وتعيد إلى الدولة قيمتها ومصداقيتها وهيبتها.وكل عام ووطني الكويت الإنساني المحب المسالم وناسه الطيبون بألف خير وسلام، وعيد وطني سعيد.