ما الفرق الذي قد تحدثه صفقة مع إيران؟

نشر في 07-12-2014
آخر تحديث 07-12-2014 | 00:01
 معهد واشنطن  تبيّن أن التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران أمر صعب، وهذا ما اتضح من عملية تمديد المحادثات لسبعة أشهر، إلا أن التفاوض حول التوصل إلى اتفاق لن يكون سوى الجزء الأول من الحل لجمود الأزمة النووية، ولن يكون موضوع إقناع إيران بالالتزام بالاتفاق مع مرور الوقت أقل أهمية، إذ يشير سجل النظام الإيراني إلى أن الأمر لن يكون سهلاً، فبين عامي 2003 و2004 توصلت طهران إلى اتفاقيتين نوويتين مع دول الاتحاد الأوروبي الثلاث (بريطانيا وفرنسا وألمانيا)، إلا أنها لم تلتزم بتطبيقهما.

وفي عام 2009، توصّل النظام إلى عقد اتفاق مع «مجموعة الخمسة زائد واحد» (بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا والولايات المتحدة)، ولكن المرشد الأعلى علي خامنئي اعترض عليه قبل أن يدخل إلى حيز التنفيذ، أما اليوم فإن مجموعة متنوعة من العوامل الاقتصادية والسياسية قد تهدد استمرارية أي اتفاق جديد يمكن التوصل إليه.

إذا تم اعتبار أنّ الاتفاق سيعود بفوائد حقيقية على إيران بتكلفة بسيطة، فسيكون لطهران سبب وجيه للمضي قدماً في تنفيذه بالكامل، وفي المقابل، إذا اعتبر أنه لا يعود بمنفعة كبيرة على إيران، فقد يميل النظام في طهران إلى عدم تنفيذه بالشكل المناسب أو إلى الانسحاب منه تماماً، وربما إلى إلقاء اللوم على الغرب لعدم احترام التزاماته في الصفقة، وبعبارة أوضح، في حال تحسن الاقتصاد الإيراني بعد التوصل إلى اتفاق، ستكون النظرة إليه إيجابية، أما إذا ساد الركود الاقتصادي، فستكون تلك الصفقة سلبية.

أثر سياسي

وكما هو الحال في معظم الدول، بما فيها الولايات المتحدة، سيكون لمثل هذا التقييم الاقتصادي الواضح أثر سياسي في إيران أكبر من التفسير المعقد حول ما حدث فعلياً مقابل ما كان سيحدث في حال عدم وجود اتفاق على الإطلاق.

وفي الواقع، قد يتخذ الشعب الإيراني قراره بسرعة بناءً على التغييرات الاقتصادية قصيرة المدى التي قد تشهدها البلاد، غير أن هذا الأمر لا يبشر بخير، ففي حين أن الاقتصاد قد يتحسن بعد التوصل إلى اتفاق، إلا أنه لن يشهد الانتعاش الفوري الذي يتوقعه العديد من الإيرانيين على الأرجح.

ونظراً إلى أن الآثار الاقتصادية قصيرة المدى وتكون متفاوتة في أحسن الأحوال، فإنها ستكون خاضعة لتفسيرات متباينة، وسيركز بعض الإيرانيين على قلة الآثار الإيجابية المباشرة، ففي أعقاب التوصل إلى اتفاق، ستبقى معظم العقوبات الأميركية والكثير من العقوبات الدولية نافذة وسيتم إنهاء العقوبات ذات الصلة بالموضوع النووي تدريجياً على مدى سنوات عدّة، وذلك فقط بعد تنفيذ إيران لأحكام الاتفاق، بينما ستبقى العديد من العقوبات المتعلقة بالإرهاب وحقوق الإنسان نافذة إلى أجل غير مسمى. إلى جانب ذلك، فإن المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها إيران منذ فترة طويلة منتشرة للغاية لدرجة أن أي تحسن ينتج عن رفع العقوبات قد لا يكون مؤثراً من الناحية السياسية. أضف إلى ذلك أن الأشخاص أنفسهم الذين يستفيدون من الانحراف الاقتصادي الحالي سيستنكرون بالتأكيد التغييرات إذا ما انفتحت إيران على تجارة واستثمارات ذات حرية أكبر.

وفي المقابل، سيستفيد بعض الإيرانيين من التغييرات الفورية التي قد تنتج عن هذا الاتفاق، إذ إن استعادة إمكان وصول البلاد إلى نسبة أكبر من احتياطها من النقد الأجنبي المجمد في الخارج من شأنها أن تسمح بحقن كميات كبيرة في الاقتصاد، ولاسيما في السنوات القليلة الأولى قبل أن يبرز التأثير الكامل لعملية تخفيف العقوبات التجارية. لذا، قد ينظر الإيرانيون إلى الاتفاق بنظرة إيجابية، ولكن ذلك ليس بالأمر المضمون بأي شكل من الأشكال، فالوضع الأكثر ترجيحاً الذي قد تشهده إيران يكمن في أن يدافع بعض السياسيين عن الآثار الإيجابية للصفقة في حين يلقي البعض الآخر اللوم على الغرب في المشاكل الاقتصادية المستمرة. وليس هناك شك في أن هذه المجموعة الأخيرة من السياسيين ستقول إنّ الحكومات الغربية لم تحترم التزاماتها، وإنه بدلاً من السعي إلى التعاون الاقتصادي مع الغرب، يُستحسن بإيران اتّباع "اقتصاد المقاومة" الذي لطالما دعا إليه المرشد الأعلى.

التداعيات السياسية

من شأن الاتفاق النووي أن يقوّي مكانة الرئيس حسن روحاني ويحسّن العلاقات الأميركية- الإيرانية، إلا أن هذا الأمر ليس مضموناً، فإذا لم يتحسن الاقتصاد بسرعة تتماشى مع توقعات الشعب، قد تزيد خيبة الأمل من حكم روحاني، وهذا بالفعل شعور شائع في إيران اليوم.

لابد من الإشارة إلى أن هيكلية النظام الإيراني لا تنصب في اتجاه تعزيز قوة روحاني، فمصلحة خامنئي في حشد سلطة أكبر لمكتب المرشد الأعلى تؤدي إلى ميله نحو حدِّ سلطات المؤسسات الأخرى، سواء كان مجلس الشورى الإسلامي أو رئاسة الجمهورية.

وفي الواقع، واجه آخر ثلاثة رؤساء جمهورية في إيران هذا المصير بعد العامين الأولين من توليهم المنصب، كما أن خامنئي لم يبيّن عن حزمٍ كبير في دعمه لروحاني، فصوت المرشد الأعلى يعلو بشكل متزايد حول وجوب عدم الوثوق بالغرب وبأنّ المقاومة أفضل بكثير من الحل الوسط.

ولكن على الرغم من هذه الشكوك، قد يسمح خامنئي بالمضي قدماً في الاتفاق النووي، فهو لا يملك قوة سلفه آية الله روح الله الخميني ولا يتمتع بجاذبيته أيضاً، لذا لا يمكنه أن يعبّر عن رأيه بالحرية ذاتها في بعض القضايا أو أن يتوقع من المسؤولين اتّباع رأيه من دون معارضة أو سؤال.

حتى لو عزّز الاتفاق النووي بطريقةٍ أو بأخرى قوة الرئيس روحاني، فمن غير الواضح إن كان ذلك سيُحدث تغييراً في سياسات إيرانية أخرى مرفوضة.

يُذكر أن إحدى الفرضيات التي تحظى بشعبيةٍ في البيت الأبيض هي أن الاتفاق النووي سيقوي موقف روحاني ويعطيه مع مرور الوقت سلطة أكبر على القضايا التي يتمتع فيها بسلطة محدودة في الوقت الحالي مثل سورية والعراق، وقد يرغب في إيجاد سبل لتطبيع علاقات إيران مع بقية دول العالم.

قد يكون ذلك ممكناً، إلا أن الرئيس روحاني بدا حتى الوقت الحالي رجلاً ملتزماً بالنظام، لذا فإنه قد لا يرى سبباً كافياً لتعديل دعم النظام للإرهاب ولزعزعة استقرار الدول المجاورة، فضلاً عن انتهاكات حقوق الإنسان في الداخل الإيراني.  وعلى أيّ حال، لا يمكن لواشنطن أن تقوم بخطوة تُذكر للتأثير في تحديد أي سيناريو ستشهده إيران بعد الاتفاق، إن كان محمّلاً بالتفاؤل أو بالتشاؤم، لذلك يعتمد الأمر كثيراً على الديناميات السياسية الداخلية في إيران، والتي لا تؤدي الولايات المتحدة فيها إلا دوراً صغيراً في أفضل الحالات.  ونظراً إلى غياب الضمانات بأن يؤدي الاتفاق إلى تغيير في السياسات الإيرانية خارج المجال النووي، يجب تقييم أي اتفاق على أساس تأثيره على الأزمة النووية، لا وفق فوائده المفترضة على قضايا أخرى، وباختصار، سيكون من غير الملائم أن تدخل واشنطن في اتفاق نووي بسبب نتائجه المتوقعة على العلاقات الثنائية بشكل عام.

Patrick Clawson باتريك كلاوسون & Mehdi Khalaji مهدي خلجي

back to top