عندما كان مرشحاً للرئاسة الأميركية استهزأ باراك أوباما بالفكرة التي تقول إن "عدم التواصل مع الدول هو بشكل أو بآخر عبارة عن عقاب لها"، معتبراً أنها فكرة "مثيرة للسخرية"، ومع إعلان تغيير سياسته تجاه كوبا الشهر الماضي، وصف الرئيس الأميركي عملية عزل مدينة هافانا بأنها "نهج متخلف فشل على مدى عقود في تعزيز مصالحنا"، وفي الواقع، لا تتمتع العزلة الدبلوماسية، سواء لكوبا أو إيران أو كوريا الشمالية أو غيرها من الدول، بسجل ممتاز من التأثير على الأنظمة العدائية.
ومع ذلك، لم يُقر الرئيس أوباما بأن سياسة التعاطي لا تشكل عصاً سحرية في التعامل مع مثل هذه الأنظمة، إذ إن العلاقات الدبلوماسية مع الاتحاد السوفياتي لم تؤدِ إلى تفادي الحرب الباردة (على الرغم من أنها قللت من الخطر الذي كانت ستصبح عليه من دون هذه العلاقات). وفي الآونة الأخيرة، ثبت فشل عملية "إعادة ترتيب" العلاقات الأميركية الروسية التي اتبعتها إدارة أوباما، فسياسة التعاطي لم تؤدِ إلى تحول العلاقات مع فنزويلا، ولا مع الرئيس السوري بشار الأسد عندما جرت محاولة تغيير هذه العلاقات في أوائل العقد الماضي أو ما بين العامين 2009 و2011.يُذكر أن إدارة أوباما غالباً ما تستشهد بإيران كمثال على ثمار التعاطي، ولكنها تعتمد سرداً مشكوكاً فيه في هذا السياق، فقد ورث الرئيس أوباما عن سلفه ستة قرارات حول عقوبات من مجلس الأمن الدولي، وإطار العقوبات المالية الأميركية، ومحادثات "مجموعة الخمس زائد واحد". وبينما تابع الرئيس تلك السياسات على نطاق واسع، إلا أنها أتت في البداية بنتائج شحيحة، وأخيراً، عندما برزت انفراجة دبلوماسية، فهي حصلت نتيجة لثلاثة عوامل مترابطة: العقوبات النفطية التي فرضها الكونغرس الأميركي على إيران ضد رغبة البيت الأبيض، وانتخاب حسن روحاني رئيساً لإيران، وربما الأكثر أهمية إذعان الولايات المتحدة في عام 2013 لمطالب إيران النووية التي كانت تسعى إليها منذ فترة طويلة مثل السماح لإيران بتخصيب اليورانيوم إلى أجل غير مسمى والإبقاء على منشآتها في أراك ونطنز وفوردو.وبسبب هذه العوامل المتغيّرة، ولا سيما تنازلات الولايات المتحدة، لا يحمل المثال الإيراني إلا بعض الدروس حول فعالية سياسة التعاطي، فربما كان بإمكان الإدارة الأميركية تحقيق ما حققته، وهي نتيجة أكثر تواضعاً من تلك التي هدفت إليها في البداية، من دون الدبلوماسية التي تتبعها والتي تقوم على العدوانية والغموض، وفي الوقت نفسه، قد تكون هذه الدبلوماسية- بدعم من أدوات أخرى- قد حققت الأهداف الأميركية الأصلية الأكثر طموحاً.ومع ذلك فإن إيران تشكل مثالاً تحذيرياً حول الخلط ما بين التكتيك ومفهوم السياسة، وإن التركيز الفردي على التعاطي قد أبعد أدوات أخرى كان من الممكن أن تؤدي دوراً في الاستراتيجية الأميركية. على سبيل المثال، امتنعت الولايات المتحدة عن دعم الاحتجاجات الجماهيرية في إيران عام 2009 (وهو تقصير أعربت عنه مؤخراً وزيرة الخارجية في ذلك الحين هيلاري كلينتون، بأنها ندمت عليه)، كما وأوقفت الجهود المبذولة لتعزيز مصداقية التهديدات العسكرية الأميركية. يُذكر أن النظر إلى سياسة التعاطي باعتبارها غاية لا وسيلة قد يكون أيضاً هو الذي دفع الولايات المتحدة إلى قبول نتائج المفاوضات التي كانت تُعتبر غير مقبولة في السابق.ولا ينبغي أن يتكرر هذا النمط نفسه مع سياسة الولايات المتحدة تجاه كوبا أو في أي مكان آخر، فحتى إذا اعتقد المرء أن الجهود التي بُذلت لعزل كوبا دبلوماسياً واقتصادياً لم تكن ناجحة، فإنه لا يترتب على ذلك أن عكس تلك السياسات سيكون ناجحاً، كما لم يكن الانسحاب الكامل من العراق سياسة متعقلة في عام 2011، أياً كان رأي المرء في قرار الذهاب إلى الحرب في عام 2003.في الواقع، يعتمد النجاح على وجود أهداف واقعية، ووضع استراتيجية لتحقيقها من خلال قراءة سليمة للسياق ذي الصلة، والتمتع بالقدر الكافي من الدهاء لاستخدام مجموعة من التكتيكات وليس تكتيكاً واحداً فقط من أجل تعزيز تلك الاستراتيجية. وبالتالي فإن الأسئلة التي يجب طرحها حول التطبيع مع كوبا هي: بأي هدف ستكون، وكجزء من أي استراتيجية، وبالتزامن مع أي أدوات أخرى؟ وفي النهاية، إن اختيار هذا التكتيك أو ذاك أولاً، أو اعتماده أو عدمه بناءً على السياسة أو العقيدة، لا يشكل وصفة للنجاح.* مايكل سينغ | Michael Singh
مقالات
كوبا وإيران... عجز سياسة التعاطي
18-01-2015