"كلاكيت" ثاني مرة جديد يثير وجدان الكثير من المواطنين ويتسبب في زوبعة طائفية وحرب "التويتر" بسبب سلوك طائش وتعصّب أعمى ومرض نفسي، لا في الشارع أو حتى في مهرجان انتخابي بل في الصرح الجامعي وبين نخبة المجتمع أساتذةً وطلبة، والمصيبة أن بطل هذه الفتنة من مدرسي كلية الشريعة!

Ad

استمعت كغيري إلى المقطع الصوتي للحوار بين مجموعة من الطالبات وهن يجادلن أستاذهن بمنتهى الأدب والرقي العلمي، بينما هو في قمة الهيجان وفقدان الصواب وتوجيه التهم إليهن باللغة العامية ضارباً بعرض الحائط أصول التدريس العلمي والمنهجية والمنطق، وهي معايير أكاديمية أساسية في أية جامعة على وجه الأرض، فلا عيب ولا ضير في النقد ومقارعة الآراء والاختلافات مهما كبرت، ولكن يفترض أن يكون ذلك من خلال الدليل والعرض العلمي وسياق البراهين، والأهم من ذلك في جو من الاحترام المتبادل.

فعلاً ما ساءني أكثر من البعد الطائفي المقيت هو الضحالة الفكرية ونقص المعلومات لدى الأستاذ الجامعي حول إحدى القضايا الخلافية المتعلقة بالزواج وشروطه وأحكامه، وما يدعو إلى الأسى أن مَن يحاول أن يتصنّع أنه مدافع شرس عن عقيدة أو وجهة نظر يفترض أن يكون متسلحاً بالعلم والحجة، وإذا كان هذا مستوى بعض مَن ينتسبون إلى أحد الصروح العلمية في مسألة جزئية، فعلى العلم ومخرجات التعليم السلام في مجالات العلم العميق ونظرياته ومناهج البحث والاستقراء.

كلية الشريعة وأساتذتها يفترض أن يكونوا الأساس العلمي لفنون الحوار والجدل المعرفي، خصوصاً في ظل الاحتقان والفتن المحيطة بالمسلمين شرقاً وغرباً، لا مأوى للتعصب والتكفير والتعبئة المذهبية، وبالتأكيد هذا ليس تعميماً شاملاً، فقد تشرفت بصحبة عميد هذه الكلية وعميدها المساعد في رحلة أكاديمية، وكانا مثالين للأخلاق السامية والمنطق في الحوار والنقاش، ولكن لا يفترض أن تكون هذه العينات هي الاستثناء بل القاعدة العامة.

سنوات طويلة استغلها البعض ممن يدّعون زوراً أنهم الوكيل الحصري للشريعة، ولا عمل ولا شغل لديهم سوى تسفيه وتكفير معتقدات الآخرين وطرق عبادتهم والبحث في الكتب التاريخية للتصيّد عليهم، فماذا كانت النتيجة؟ النتاج الوحيد الذي جنيناه في عالمنا العربي بعد كل هذه الجهود والأموال والدعاة المتطرفين أن أتباع هذه المعتقدات المكفرة صاروا هم ضحايا أمثال "داعش" وأخواتها، وبينما هؤلاء الكفار والمبتدعة يدعون إلى التسامح والتعايش السلمي ويعمرون العالم بالعلم والمدنية، نجد أن خريجي مدارس الشريعة المتطرفة والمتخلفة يتباهون بقتل الأطفال ونحر الرؤوس وسبي واغتصاب النساء والترويج لثقافة الشتم والتحريض وهدم قبور الأنبياء والصحابة، فأين أمثال أستاذ الشريعة إياه من الانتباه إلى هذا الجيل وتهذيبه وتأهيله وتعليمه الأخلاق الإسلامية في السلوك والحوار والتعايش.

نعم، إدارة الجامعة اتخذت قراراً حازماً ضد هذا المنتدب أصلاً، ولكن مَن للثقافة المجتمعية المتدهورة والحالة العميقة من الاحتقان الطائفي الذي قد يوقد ناره مثل هذا الحدث العابر بين الحين والآخر؟!