تقرير اقتصادي : تسريح موظفي «الخاص»... ظاهره مشكلة أفراد وباطنه أزمة اقتصاد
• علاقة جدلية بين ربح الملاك ومصلحة العاملين... والحل في بيئة استثمار تنافسية• هناك حاجة إلى قانون تأمين ضد البطالة وموافقة الجهات الرقابية على خطط إعادة الهيكلة
ما نحتاج إليه لرفع درجة الثقة بين الشباب الكويتيين في القطاع الخاص، هو إقرار قانون تأمين ضد البطالة، بحيث يدفع الموظف ورب العمل استقطاعاً، كي تقوم شركة التأمين بدفع الراتب للموظف الذي يتم تسريحه، حسب المدة والقيمة المتفق عليهما سابقاً، إلى جانب إخضاع عمليات إعادة الهيكلة في الشركات الكبرى، لرقابة وموافقة الجهات الرقابية.سرحت الشركة الوطنية للاتصالات ooredoo هذا الأسبوع، 165 موظفاً، منهم 60 كويتياً، في مسعى لإعادة الهيكلة في الشركة، حسب بيان رسمي صادر منها، مما أعاد إلى الأذهان ما قامت به شركات عديدة منذ بداية الأزمة المالية العالمية في 2008 عندما سرحت العديد من موظفيها أو أجبرتهم على الاستقالة بهدف خفض النفقات.وغالباً ما يدور النقاش في ما يتعلق بتسريح الموظفين في القطاع الخاص بين وجهتي نظر، كلتاهما على حق، فالملاك والمساهمون من حقهم تخفيض النفقات الإدارية والمالية الخاصة بأعداد الموظفين للحد من الخسائر المتراكمة، في حين يترتب على تسريح الموظفين جانب اجتماعي ونفسي سلبي، خصوصاً ان لدى الموظف في القطاع الخاص، نظرا لارتفاع الراتب نسبياً، التزامات مالية عالية كالأقساط والإيجارات وغيرها.وبغض النظر عن هذه الجدلية في العلاقة بين الموظف والملاك، فإن المشكلة لا تتعلق بالقطاع الخاص بقدر ما ترتبط بالدولة، التي تفتقر إلى وجود بيئة استثمارية تشجع التنافسية بين الشركات، فالقطاع الخاص الكويتي يوظف نحو 15 في المئة فقط من إجمالي قوة العمل الكويتية، رغم العديد من المميزات التي توفرها الدولة، وعلى رأسها البدل النقدي الخاص بدعم العمالة الوطنية إلا ان الشعور بعدم الامان الوظيفي جعل العديد من الشباب يحرص على الوظيفة الحكومية اكثر من العمل بالقطاع الخاص.الأمان الوظيفي ومشكلة العمل في القطاع الخاص غالباً ما تدور حول الأمان الوظيفي، وهنا يجب ان تكون المعالجة في هذا الإطار، لا من خلال ردات الفعل التي يتطرف بعضها الى معاقبة المستثمر، خصوصا الاجنبي الذي يتخذ قرارا بإنهاء الخدمات، وبالتالي يمكن ان يكون الضرر اكبر مستقبلا، فالحل يجب ان يكون محدداً بالمشكلة.ما نحتاج إليه لرفع درجة الثقة بين الشباب الكويتيين في القطاع الخاص، هو إقرار قانون تأمين ضد البطالة، بحيث يدفع الموظف ورب العمل استقطاعا كي تقوم شركة التأمين بدفع الراتب للموظف الذي يتم تسريحه حسب المدة والقيمة المتفق عليهما سابقاً، إلى جانب اخضاع عمليات اعادة الهيكلة في الشركات الكبرى، كالبنوك وشركات الاستثمار والاتصالات وغيرها لرقابة وموافقة الجهات الرقابية كهيئة أسواق المال والبنك المركزي، فضلا عن عمل لائحة او قانون ينظم عملية التسريح نتيجة الصعوبات المالية بحيث يعطى المسرح مهلة تصل إلى 6 أشهر قبل تنفيذ عملية التسريح.هذا ما يتعلق بالموظف، إلا أن واقع الحال يحتاج الى حلول اكثر كي نضمن رفع نسبة موظفي القطاع الخاص من الكويتيين إلى مستويات اعلى من الـ15 في المئة الحالية، اذ نحتاج الى بيئة استثمار حقيقية تستقطب الاموال الاجنبية، وتحفز الاموال المحلية على الخروج من كنف الودائع الى التشغيل في مشاريع تكون الدولة فيها مشرفة على السوق لا منافسة فيه، فلدينا مثلا نمو بواقع 95 في المئة في الودائع بين عامي 2008 و2014، حتى تجاوزت 31.5 مليار دينار.توسع «الخاص»وبدون هذه البيئة لن تكون امام الموظف الكويتي خيارات كثيرة للعمل في القطاع الخاص، وهنا يجب ان يتوسع القطاع الخاص نفسه، فلا معنى لتحكم الدولة بعدد الشركات او البنوك المرخص لها قانونا بمزاولة النشاط، مادامت هذه الشركات هي التي تتنافس في كل قطاع، فما الذي يمنع ان يكون لدينا 10 شركات اتصالات و20 بنكا، وهكذا مادام هناك مجال للمنافسة، اذ يجب ان نجعل رأس المال هو من يقرر جدوى المنافسة من عدمها لا الدولة.كذلك عندما يرتبط الحديث بعمل الموظف في القطاع الخاص، فهذا لا يعني فقط القطاع الخاص المحلي بل ايضا الشركات الاجنبية التي تعاني الكويت بسبب بيئتها الاستثمارية الضعيفة التي تخفض امكانية دخول الاستثمارات الاجنبية فيها، فحسب تقرير الاستثمارات العالمية السنوي الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) تعتبر الكويت اقل الدول الخليجية استقطابا للاموال الاجنبية بـ2.3 مليار دولار عام 2013، مقابل تصدرها اللائحة العربية كأكبر دولة مصدرة أو «طاردة» للأموال بـ8.4 مليارات دولار في العام نفسه.بالطبع، ضعف بيئة الاستثمار الى جانب قلة الشركات الاجنبية، فضلا عن صعوبة استخراج تراخيص لمزاولة انشطة اقتصادية كبرى وغيرها من اسباب، كلها تؤدي في المحصلة النهائية الى ضعف نسبة العمالة الوطنية في القطاع الخاص، فضلا عن عدم وجود بدائل كالتأمين ضد البطالة، مما يقلل من عملية الاقبال على القطاع الخاص، فيكون القطاع الحكومي هو الخيار إن لم يحالف بعضهم الحظ في القطاع النفطي.إن جذب الشباب الى العمل في القطاع الخاص، والذي يعتبر احد اهم الاهداف الحكومية لمعالجة الاختلالات في سوق العمل لا يرتبط فقط ببدل دعم العمالة الوطنية ليواكب الارتفاعات في رواتب القطاع الحكومي، لأن الدولة اصلا ليست مسؤولة عن رواتب العاملين في القطاع الخاص، بل عليها ان تضطلع بدورها في توفير بيئة استثمارية سليمة للأعمال، وبالتالي ستتوافر فرص عمل للشباب الكويتيين، وبرواتب عالية دون حاجة حتى الى بدل دعم العمالة... فالاقتصاد لا يمكن أن يتعافى الا بوجود فرص ومشاريع تستقطب العمالة وفقا لحاجتها.