وأخيراً!
ليست مفاجأة، على الإطلاق، أن تبدأ الولايات المتحدة عملياتها الجوية ضد تنظيم "داعش" في سورية، فهذه العمليات كانت متوقَّعة في أي لحظة، وذلك لأن رأس الأفعى الإرهابية موجود في الرقة ودير الزور وعلى الحدود مع العراق، ولأنه كان لابد من البدء بهذا العمل الجدي، وبخاصة بعد توسيع هذا التنظيم لإطار عملياته واستهداف المناطق المحاددة لتركيا، والتي تعتبر ذات أغلبية كردية.وكذلك ليست مفاجأة أن يبادر سلاح الجو الملكي الأردني إلى استهداف العديد من قواعد ومواقع الإرهابيين داخل الأراضي السورية، بل في عمقها، فقد تمادى هؤلاء، بتوجيهٍ من نظام دمشق، في محاولات اختراق الحدود الأردنية والقيام بعمليات إرهابية داخل الأردن لإشاعة الفوضى وزعزعة الاستقرار الذي يعيشه الشعب الأردني.
والواضح أنَّ ادعاء النظام السوري بأن أميركا أبلغته مسبقاً بهذه الضربة، عبر مندوبه في الأمم المتحدة، هو كذبة "حمقاء" كبيرة، وهذا ما أكده ناطق رسمي أميركي مرات عدة، فهذا النظام بات يتمسك بزبد البحر وأراد من خلال هذه الكذبة المفضوحة بوضوح أن يحافظ على ماء وجهه، هذا إن بقي في وجهه ماء، بعد تلك التهديدات العنترية التي كانت "المناضلة" بثينة شعبان أطلقتها، وقالت فيها إنه سيتم إسقاط أي طائرة أميركية تدخل المجال الجوي السوري بدون إذن مسبق... وها هي الطائرات تستبيح أجواء "القطر العربي السوري" بالطول والعرض، وأصحاب هذا النظام البائس لا يملكون سوى الاختباء وراء أكاذيبهم المعهودة. المؤكد أن بعض شركاء الولايات المتحدة في التحالف، الذي أقيم مؤخراً للقضاء على هذه الآفة التي اسمها تنظيم "داعش"، ومن بينهم بعض الدول العربية، قد أُبلِغوا بهذه الضربة وبموعدها مسبقاً، وكذلك الأمر بالنسبة لبعض رموز المعارضة السورية في الائتلاف الوطني، أما هذا النظام الذي أصبح من مخلفات مرحلةٍ ليس هناك أسوأ منها في تاريخ سورية، فالمؤكد أنه فوجئ كما فوجئ غيره، وأنه كان، استناداً إلى تقديرات جاءته من روسيا، قد حاول ركوب هذه الموجة عندما ادعى، وإن تسريباً لا مباشرةً، أن طائراته، التي بقيت تتفنن في ذبح الشعب السوري وتدمير مدنه وقراه، قد نفَّذت غارات على مجموعات التنظيم الإرهابي التي حاصرت منطقة "عين العرب" ذات الأغلبية الكردية.والملاحظ أن رئيس الائتلاف السوري هادي البحرة كان قد أدلى بتصريحات، قبل ساعات قليلة من هذه الضربة، طالب فيها بشن غارات جوية فورية على مواقع وتجمعات "داعش" في سورية، وهذا يعني أن الأميركيين قد أعطوا سرهم هذا إلى بعض قادة المعارضة السورية، كما يعني أن تلك المعارضة "المعتدلة" باتت تُعامَلُ على أنها أحد الأرقام الأساسية في معادلة التعاطي مع الوضع السوري ومع عملية إسقاط بشار الأسد بالقوة، إنْ هو لم يقبل تحت الضغط الهائل الذي سيواجهه، بالعودة إلى اتفاقيات (جنيف1) التي نصت على تنحيته لحساب مرحلة انتقالية تقودها هيئة وحدة وطنية قبل إجراء انتخابات ديمقراطية تحافظ على وحدة سورية وتأخذها إلى مسيرة جديدة بعيداً عن القهر والصراعات المذهبية والطائفية.إن هذه مسألة يجب إدراك أبعادها، أما المسألة الأخرى فهي أن الائتلاف الوطني، وقبل ساعات قليلة أيضاً من هذه الضربة الأميركية، قد أعلن عن إعادة تشكيل القيادة العليا للجيش الحر، كما أعلن عن إخراج بعض التنظيمات الصغيرة والكبيرة التي تُصنَّف على أنها إرهابية من إطار تشكيلاته العسكرية، وهذا في حقيقة الأمر يعني استعداداً واضحاً للمرحلة المقبلة التي من المؤكد أنها ستكون مرحلة مفصلية، والتي لابد، من أجل التهيئة لها، من استبعاد كل فصائل الإرهاب من إطارات الثورة السورية.والآن وبعد أن أوضحتْ هذه الضربة أن الدافع الرئيسي لإقامة الائتلاف الدولي، الذي تم تشكيله، هو ترتيب الأوضاع في سورية، بحيث يجري إضعاف كل التشكيلات الإرهابية، وفي مقدمتها "داعش"، إن لم يكن بالإمكان اقتلاعها من الجذور، يجب أن يتم دعم المعارضة "المعتدلة" وتوحيدها وتنقية صفوفها من الشوائب الاستخبارية، لتكون قادرة على تعبئة الفراغ في المرحلة الانتقالية المنشودة هذه، وعلى منع انزلاق هذا البلد العربي بعد إسقاط النظام، وهو سيسقط حتماً إن عاجلاً وإن آجلاً، نحو التفسخ والانحلال والمزيد من الحروب "المليشياتية"، كما هو عليه الوضع حالياً في ليبيا وفي الصومال، وأيضاً... أيضاً في اليمن الذي كان سعيداً ذات يوم بعيد.