في الإطار العام لخطة التنمية لدولة الكويت (2010/2011- 2013/2014) التي صدرت بالقانون رقم (9 لسنة 2010 )، وتحت عنوان فرعي هو "رؤية الدولة (الكويت 2035)" جاء ما يلي نصاً: "تُحوَّل الكويت إلى مركز مالي وتجاري جاذب للاستثمار يقوم فيه القطاع الخاص بقيادة النشاط الاقتصادي". وفي مكان آخر يؤكد إطار خطة التنمية على أن "صيغة رؤية الدولة تُعبّر عن مجموعة من المعاني والطموحات والتطلعات التي يمكن إبراز أهمها في إحياء الدور المحوري للقطاع الخاص في قيادة التنمية".  كما أن الهدف الثاني من الأهداف الإستراتيجية الستة للتنمية حتى عام 2035 يؤكد أن "القطاع الخاص يقود التنمية وفق آليات محفزة، حيث يعكس هذا الهدف ريادة القطاع الخاص للنشاط الاقتصادي باعتباره قاطرة النمو...".

Ad

 ما سبق يدل على أن خطط الحكومة حتى عام 2035 تتبنى التوجّه الاقتصادي النيوليبرالي الذي يدعو، ضمن أمور أخرى بالطبع، إلى تقليص دور الدولة في النشاط الاقتصادي، بحيث يتولى القطاع الخاص، وليس الدولة، قيادة النشاط الاقتصادي وتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، أي أن دور القطاع الخاص هنا هو الدور المحوري والقيادي، وليس أي دور آخر تُحدده الدولة بحسب عوامل كثيرة، من ضمنها طبيعة القطاع الخاص وحجمه، ومرحلة التطور، وطبيعة الاقتصاد.

وإذا ما أخذنا في الاعتبار أن تداعيات ونتائج السياسات الاقتصادية النيوليبرالية في الدول الرأسمالية الصناعية كانت سلبية جداً على مجتمعات تلك الدول، وعلى الاقتصاد العالمي أيضاً، بالرغم من أن القطاع الخاص هناك إنتاجي ومُبادر ويختلف تمام الاختلاف عن القطاع الخاص الكويتي، فإن السؤال هو: هل يستطيع القطاع الخاص المحلي، كما ورد في خطة الحكومة، قيادة النشاط الاقتصادي وتحقيق خطط التنمية المستدامة؟ الجواب بالنفي، فالقطاع الخاص في الكويت قطاع صغير ومحدود وضعيف، والغالبية الساحقة من أنشطته تتركز في تجارة التجزئة، والخدمات الاستهلاكية، والعقار، والمقاولات الإنشائية، إلى جانب اعتماده شبه الكلي على الإنفاق العام، والدعوم والتسهيلات الحكومية السخيّة، فضلاً عن مطالبته الدائمة بتدخل الحكومة في النشاط الاقتصادي لإنقاذه من أزماته الدورية ومنع إفلاسه حتى لو تطلب الأمر "تأميمه"!، كما حصل منذ منتصف سبعينيات القرن المنقضي، ثم بعد مضاربات "سوق المناخ"، سواء من خلال ما سُمى "صندوق صغار المستثمرين" أو "المديونيات الصعبة"، علاوة على ما حصل منذ بداية الأزمة الاقتصادية الرأسمالية عام 2008، عندما تدخلت الحكومة لضمان الودائع الشخصية في البنوك التجارية، وكذلك تدخلها لإنقاذ "بنك الخليج" وإصدارها، في ما بعد، قانون "الاستقرار الاقتصادي والمالي".

أضف إلى ذلك تخصيص الحكومة محفظتين ملياريتين، إحداهما عقارية والأخرى استثمارية، تستخدمهما للتدخل المباشر في النشاطين العقاري والمالي، وقد أكد التقرير الاقتصادي لشركة "بيان" للاستثمار (6 ديسمبر 2014) من جديد مطالبات القطاع الخاص بتدخل الحكومة عندما ذكر نصاً أن "التدخل الحكومي لإنقاذ السوق، أصبح أمراً ملحاً ولابد منه"!

بناءً على ما تقدم، فإنه من الخطأ الجسيم اعتماد خطط التنمية على نسخ نماذج اقتصادية نيوليبرالية لا تناسبنا، وثبت فشلها في دول متطورة سياسياً واقتصادياً. الخطة التنموية الواقعية، كما ذكرنا من قبل، يجب أن تُبنى على نماذج اقتصادية جديدة، إبداعية ومُبتكرة، تأخذ في الاعتبار مرحلة تطورنا وطبيعة اقتصادنا الوطني، وتركيبة القطاع الخاص المحلي، مع التأكيد على الدور المحوري للدولة في النشاط الاقتصادي، فحتى في الدول الرأسمالية الصناعية، وبالذات بعد الأزمة الاقتصادية الرأسمالية البنيوية عام 2008، هناك آراء كثيرة لها وزنها ترى أنه لا سبيل لإنقاذ النظام الرأسمالي من أزمته الخانقة إلا من خلال تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي والحد من سياسات النيوليبرالية المتوحشة، وذلك بالعودة إلى تبني نظرية الاقتصادي الشهير "جون كينز" التي طرحها بعد أزمة الكساد الكبير عام 1929.