في الوقت الذي تصدر فيه المحاكم الجزائية النهائية المئات من الأحكام القضائية ببراءة المتهمين في القضايا الجزائية، بعد أن تنتهي إلى بطلان إجراءات القبض والتفتيش والاستيقاف من قبل رجال المباحث الجنائية وحتى الشرطة، يثبت الواقع العملي عدم تحمل هؤلاء الأفراد أو الضباط أو رجال الشرطة أي مسؤولية قانونية أو إدارية نتيجة الأخطاء التي ارتكبوها والتي ترتبت على بطلان الإجراءات التي اتبعوها وأدت إلى براءة المتهمين في القضايا الجزائية المعروضة.

Ad

ليس الأمر مرتبطا بسلامة الإجراءات من عدمها، فالواقع العملي يشهد وجود العديد من القضايا التي انتهت فيها المحاكم إلى براءة المتهمين بعدما ثبت لها وجود إكراه أو تعذيب مورس من قبل رجال المباحث على المتهم في قضية ما تنتهي إلى بطلان اعترافاته التي أدلى بها، إما أمام النيابة العامة أو أمام لجنة التحقيق التابعة للإدارة العامة للتحقيقات!

وما يعنيني من هذين المثالين هو حالة السبات العميق التي تعيشها الإدارة العامة للتفتيش في وزارة الداخلية في محاسبة منتسبي الوزارة عن الأخطاء الواقعة منهم في القضايا الجزائية والتي تسببت في تبرئة العديد من المتهمين لمجرد خطئهم بالإجراءات أو لأنهم لفقوا الجرائم للعديد من الأشخاص وتم تبرئة هؤلاء المتهمين لبطلان وتلفيق التحريات من قبل بعض رجال المباحث الجنائية وأفراد الشرطة!

لماذا لا تتحرك إدارة التفتيش في وزارة الداخلية لتراقب أخطاء مسؤوليها وتشكل فريقا منها يتعاون مع النيابة العامة لتزويده بالأحكام النهائية الصادرة بالبراءة من محكمة الاستئناف لمراجعتها والتي غالبا لا يتم الطعن عليها بالتمييز من قبل النيابة العامة، وبيان المتسبب بها تأكيدا للمحاسبة القانونية لهؤلاء الضباط وأفراد الشرطة عن أية أخطاء جسيمة أو متعمدة أو نتجت عن إهمال وكذلك حفاظا على حقوق الناس وحرياتهم وصونا لكراماتهم وآدميتهم من عبث بعض الضباط والأفراد؟!

لماذا لا تقوم إدارة التفتيش التابعة لوزارة الداخلية بمنح الفريق القانوني، الذي يتعين تشكيله، التحقيق مع المتسببين بالأخطاء وإحالتهم إلى التحقيق الإداري أو المحاكمات العسكرية وكذلك إحالة من تثبت بحقه شبهات جنائية بتعمده عدم القيام بواجباته الوظيفية كإخفائه أي دليل عن النيابة العامة ومن ثم القضاء لمحاكمته جزائيا عن التهم المنسوبة اليه؟!

لماذا لا يحاسب منتسبو وزارة الداخلية عن أخطائهم شأنهم شأن كثير العاملين في الوظائف العامة حفاظا على الوظيفة وعلى سمعة منتسبيها والعمل على إبعاد من لا يليق بخدمتها، فضبط العديد من المتهمين على أنهم من عتاة المجرمين في القضايا الجزائية الخطيرة أمر أصبح يبرر مكافأة رجال الأمن ماليا لكن براءة هؤلاء المتهمين من التهم المنسوبة إليهم لأخطاء إجرائية أو لبطلان التحريات أو تلفيقها من قبل رجال الأمن أمر يبرر محاسبة أفراد الشرطة ومطالبتهم برد المكافأة المالية التي حصلوا عليها وإحالتهم الى التحقيق ومساءلتهم قانونيا عن الأخطاء التي صدرت منهم، فكرامات الناس وحقوقهم أولى من العدالة من فرار متهم من العقاب!

أصبح لزاما على المسؤولين في وزارة الداخلية والممثلين في إدارة التفتيش القضائي ونحن نعيش الذكرى الثالثة على خطف وقتل المواطن محمد الميموني على أيدي عدد من رجال المباحث والمحكومين بالاعدام والمحبوس عدد منهم لمشاركتهم جريمتهم البشعة بالحبس المؤقت أن تتحرك وتحاسب منتسبيها وتحقق مع من يتجاوز منهم القانون أو يتعمد مخالفته، وعليهم أن يوصوا ويبعدوا من تثبت إدانته إداريا أو قانونيا عن كرامات الناس وحرياتهم فهؤلاء لا يليقون بشرف المهنة ولا بقسمها ولا بتطبيق قوانينها!