عنوان الكتاب هو المفتاح الأول للقارئ، واختياره يشكل أحد أطوار تأليف الكتاب والمرحلة الأكثر حساسية في بدء العلاقة بين الكاتب والقارئ والكتاب. ويجد أغلب الكتّاب مسألة اختيار العنوان هي الأصعب في تحديد تلك العلاقة. فالعنوان هو الانطباع الأول الذي يتشكل لدى القارئ الذي يلتقي فيه بالكتاب وقبل بداية التعارف والتآلف بينهما، ورغم وجوده على الغلاف، ولكونه أول أو أكثر كلمة تقع عليها عينا القارئ، فإنه يمثل المشهد النهائي في عملية التأليف، سواء اختاره الكاتب في بدايتها أو مروراً بها أو اختتم عمله الأدبي به. والكاتب وحده يعرف الجهد الذي يستغرقه هذا العنوان منه، ويستشير أحياناً من يثق بهم لاختياره.

Ad

مرات قليلة تلك التي يتجاوز فيها القارئ عن تفاهة العنوان، حينما يكون الكتاب لمؤلف يثق به ويعرفه ولا يهتم بعنوان كتابه، لكن ذلك أمراً لا يراهن عليه كثيراً، فهو يتطلب بالضرورة معرفة سابقة لا معرفة أولى بين القارئ والكاتب. في حالة المعرفة الأولى يحتاج القارئ إلى استخدام العنوان كدلالة لما يضمه الكتاب الذي سيقتنيه. القارئ يدرك إلى أي جهة من فكره يقوده هذا العنوان، ويدرك مدى توافق العنوان مع ما يتوقعه من الكتاب. الكاتب المراهق مثلاً، يعرف عناوين رواياته التي تملأ حاجته للقراءة تماماً كما تدرك النخبة عناوينها التي ترغب بها وتعول عليها. ما يبقي شائكاً هو القارئ الذي يقع بين هاتين الفئتين.

سأبدأ بنفسي حتى لا يعتقد أحد أنني لم أمرّ بهذه التجربة، كان ذلك في عنوان روايتي الأولى غير الموفق، والذي وددت تغييره وسأغيره إذا ما سنحت فرصة طباعة ثانية، فقد قمت بتغيير العنوان من "وردة الثلج" إلى "عاشقة الثلج" بناء على نصيحة الزميل الروائي طالب الرفاعي، حتى لا تتشابه مع ديوان شعري لسعدي يوسف كان صدر أيامها. وندمت في ما بعد ومازلت نادماً على ذلك، لأنني أعتقد بظلم روايتي الأولى بعد مجموعة قصصية أولى.

قبل أيام قرأت خبر صدور رواية سعود السنعوسي "فئران أمي حصة"، وأحسست بأن السنعوسي، الذي أجاد اختيار العنوان الثاني لروايته "ساق البامبو"، أخطأ في الاختيار. وذلك ليس حكماً على الرواية التي لم نقرأها بعد، وإنما هو حكم على العنوان الذي وددت لو أن السنعوسي فكر في ردة فعل القارئ تجاهه قبل أن يقرره كعنوان نهائي للرواية التي تتبع رواية سابقة وناجحة له. فعنوان أي رواية هو تأهيل نفسي للقارئ لتوقع ما يمكن أن يكون عليه النص، وهكذا عنوان يبدو تقريرياً بعيداً عن الإبداعية لعمل روائي.

العنوان الذي لا أجد له تفسيراً سوى محاولة جذب القارئ وتحريك مشاعره تجاه الكتاب قبل قراءته هو عنوان رواية عالية شعيب الأخيرة "عاهرات الجابرية"، التي صرحت بصدورها قريباً. العنوان يدل على الكتاب وتقريريته أكثر صراحة من رواية السنعوسي، فهو يحدد المكان المقصود والشخصيات التي تريد الحديث عنها. وعالية شعيب ليست حديثة عهد بالنشر، وتعرف ماذا تريد، والقارئ أيضاً يعرف ماذا تريد ومن تريد بكتابها. وهي تراهن على جمهور أقرب إلى المراهقين منه إلى النخبة. وربما ما تطمح إلى تحقيقه، بعيداً عن فنية الرواية، هو مواكبة التوزيع والانتشار، وهي ليست بحاجة لهما قدر حاجتها لعمل جيد يستحق. وسنترك قراءة الرواية خارج عنوانها المثير في حينه.