بينما يحاول تنظيم «داعش» أن يثبت قدرته على مقاومة الجهود الدولية التي تستهدف كبح جماحه، متنقلاً بين جبهات عدة في سورية والعراق، تظل بغداد محتارة في توفير متطلباتها الداخلية الحاسمة سياسياً وعسكرياً، لتحقيق تقدم كبير أمام التنظيم المتشدد.
فمن جهة لاتزال عشائر الأنبار تشكو نقصاً فادحاً في الذخيرة والأسلحة، وهي تقاتل «داعش» وتكافح للحفاظ على مدينة الرمادي الاستراتيجية التي لو استولى التنظيم عليها فإنه سيكون مؤهلاً لمهاجمة بغداد المحاذية.ومن جهة أخرى، فإن حكومة بغداد التي تحاول التصالح مع السنّة، وخصوصاً قبائل الأنبار، تقول إن الأمر ليس مجرد عقبات سياسية وأزمة ثقة تمنع توفير دعم كاف، بل إن انخفاض أسعار النفط المفاجئ أنتج أزمة سيولة عميقة في البلاد، تؤخر كثيراً من الاستعدادات العسكرية الضرورية، بل تهدد الحد الأدنى من الاستقرار الاقتصادي في العراق.وبعد أن أبرمت بغداد اتفاقاً مهماً مع أربيل لتسوية الخلاف مع الأكراد، فإنها تواجه تعقيدات كبيرة لإبرام تسوية مع السنّة.وتكتفي العشائر السنية المقاتلة بالشكوى، لكن من الواضح أنها لا تحسن التفاوض مع الحكومة، فهي بلا خبرة سياسية، وتعاني انقسامات معقدة، وفي وسع أي شيخ قبيلة بين نحو 15 قبيلة أساسية في الأنبار، أن يزعم أنه الأكثر تأهيلاً لتزعُّم جهود الحرب ضد «داعش»، والمشكلة الأساسية هي صعوبة اتفاقهم على ممثلين محددين قادرين على إبرام اتفاق مع بغداد يبني نواة ثقة ويسهل التسليح والتدريب وتنظيم شؤون الحرب.ويرى المراقبون أن المفاوضات مع القبائل السنية يمكن أن تتواصل مائة عام من دون جدوى في ظل هذه الفوضى، بل إن الأميركيين أنفسهم يواجهون تعقيدات في اختيار أفضل الطرق لحسم متطلبات الدور المهم لقبائل الأنبار في هذه الحرب.ويقول هؤلاء إن على العشائر أن تلتف حول فريق سياسي سني قادر على إدارة المفاوضات مع واشنطن وبغداد في الوقت نفسه.وقد جرت انتخابات ناقصة الشرعية في الأنبار حرمت الكثير من الزعامات السياسية ذات الخبرة من المشاركة في الانتخابات، بسبب خصومتها مع رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، مثل رافع العيساوي وزير المالية الأسبق، الذي لديه قدرة على إقناع القبائل وجمع كلمتها، بينما لم يحصل أي لقاء بينه وبين حكومة حيدر العبادي الإصلاحية، تأثراً بالأزمة المعروفة والاتهامات التي لاحقته في عهد المالكي.ويكافح العيساوي هذه الأيام كي يعقد مؤتمراً في أربيل بحضور ممثلين لكل المحافظات السنية، ليساعد القبائل في وضع مسودة مطالب تفاوضية مع بغداد، وللحصول على شرعية تبرر للعبادي أن يجلس مرة أخرى مع زعماء سنة كانوا متهمين بالإرهاب في عهد المالكي، وصار من الحتمي الحوار معهم الآن لحسم اشتراطات الحرب مع «داعش».وفي هذه الأثناء يسود اعتقاد بين الطبقة السياسية السنية بضرورة الانفتاح على حوار مع إيران، لأن جزءاً من تأخر العبادي في دعم السنة يعود في تصورهم إلى ضغوط إيرانية تمنع ذلك خشية من ظهور «جيش سني» على غرار البيشمركة الكردية لم تحسب له طهران حساباً بعد.ويقول ساسة سنّة إنه من الضروري الذهاب إلى طهران لإفهامها بحقيقة التهديد المشترك للسنة والشيعة في العراق، وأن مواجهة «داعش» تحتاج إلى تأسيس ثقة حتى بين الأطراف الأكثر نفوراً من بعضها، إلا أن الساسة يخشون من الجمهور السني الذي لا يتقبل فكرة التسوية مع الإيرانيين، بل يعتقد جزء من الجمهور أن «داعش» مدعوم من طهران ومن نظام الأسد لتشويه الحركة الاحتجاجية السنية في سورية والعراق، وهو مفصل في وسعه أن يرسم حجم التعقيد لا في الحرب على «داعش» وحسب، بل في ترتيب البيت العراقي وإبرام تسوية سلام كبرى أيضاً.
آخر الأخبار
عشائر العراق لا تفاوض بغداد بلا ساسة «مغضوب عليهم»
18-12-2014