الأسبوع الأخير في بغداد يستحق - وفق بعض الأوساط - وصف "أسبوع اجتثاث المالكي".

Ad

ولم يكن هذا الأمر خارج التوقع، وفق تقاليد السياسة العراقية المستقطبة بحدة، لكن التطور حاز الاهتمام، لأنه بدا معاكساً لمحاولات التماسك التي قام بها حزب الدعوة الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء حيدر العبادي وسلفه نوري المالكي، إذ أراد الظهور بمظهر من أعاد ترتيب صفوفه، بعد شرخ في قمة الهرم الحزبي شهده شهر أغسطس الماضي، حين قررت قيادة الحزب عزل المالكي وتقديم العبادي بديلاً له.

وفي إطار محاولة الحزب تخطي لحظة الانشقاق واتهامات التخوين، حصل المالكي على ترضية كبيرة هي منصب نائب رئيس الجمهورية، ولم يحاول العبادي إثارة غضبه قدر الإمكان، إلا أن المالكي نفسه، كما تسرّب، لم يتمالك نفسه في اجتماع عقد أخيراً لقادة الحزب، وراح يلوم العبادي بشدة على خطوات إصلاحية أجمعت عليها كل الأطراف، مثل وقف قصف المدن، والمرونة مع الأكراد، والنزول عند رغبات الشركاء الشيعة الآخرين، مثل عمار الحكيم ومقتدى الصدر، في أكثر من مناسبة.

وتناقلت مصادر محلية أن اللوم الذي وجّهه المالكي للعبادي تحول إلى "صراخ ومشادة"، فضّل العبادي أن يضع حداً لها، وقام بتذكير المالكي بأن "كل القيادات الشيعية" تريد إجراء إصلاح لسياسات الحكومة.

 وفي صباح اليوم التالي، استقل العبادي طائرة متجهة إلى نيويورك للّحاق بالاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة، وأصدر في تلك اللحظة قرارات كبيرة، أطاح خلالها أهم الضباط الذين عملوا طويلاً مع المالكي ويعدون من رجاله، كما ألغى مكتب القائد العام للقوات المسلحة، ملتزماً عبر ذلك باتفاق سياسي مفاده تغيير آلية صناعة القرار الأمني، وإخراجه من الدائرة الضيقة لرئيس الحكومة، وتأسيس قيادة أمنية موسعة تمثّل كل الأطراف الرئيسية، لضمان عدم صدور قرارات متسرعة، وتحصيل أوسع دعم ممكن للإجراءات الأمنية.

وباختصار يمكن القول إن العبادي بدأ بتصفية المؤسسة القديمة أو "الحرس القديم"، ويستجيب لبناء سياق جديد مقبول أكثر لوضع السياسات. لكن هذا لن يمر مرور الكرام، كما يبدو.

فالمالكي خسر أهم القادة في الحزب، وأهم القادة في كتلته (دولة القانون) التي أفلتت منه زعامتها أيضا لمصلحة منافسه القديم والغيور، علي الأديب، زعيم الجناح الإيراني في حزب الدعوة.

 لكن رئيس الوزراء السابق أخذ معه "جيش موظفين ومريدين" إلى رئاسة الجمهورية، ويمتلك - كما يقال - ثروة شخصية تعاظمت في آخر عامين، ولذلك تقول المصادر إنه نجح في تحريك جو عام ناقم على العبادي، ما ظهرت آثاره في موقع "فيسبوك" المفضل لإدارة السجالات السياسية في العراق.

الحملة التي يحركها أنصار المالكي، تقول إن العبادي "يواصل خياناته"، وإنه سيصبح "ضعيفاً أمام السنّة وأمام السعودية"، بل أطلقوا عليه لقب "غورباتشوف العراق"، في إشارة إلى الرئيس السوفياتي الذي عمد إلى إصلاحات تسببت في تفكك الاتحاد السوفياتي الشهير.

ويبدو أن العبادي وجد في الدعم الأميركي الواسع غطاء يمرر من خلاله تصفية فريق المالكي العسكري خصوصاً، وإحالتهم إلى التقاعد، لكن الأهم من ذلك ما يتوقعه مراقبون من أن العبادي، وفي مواجهة هذه الضغوط التي تستثير عواطف طائفية وشعبية، خاصة مع استمرار العنف، سيجد نفسه بحاجة أكبر إلى الأحزاب الشيعية الأخرى التي عارضت سلفه، وساعدته هو على الوصول إلى منصبه، مندفعاً كذلك نحو تسويات مرنة مع الأكراد، وسياسات احتواء للسنّة، وانفتاح قد يكون سريعاً على المحيط الخليجي بشكل خاص.