كيف تتعلم الكراهية؟
عندما كنا صغاراً تعلمنا كيف نكره شعوباً وقبائل ومللاً ونحلاً دون حتى أن نعرفهم، فكيف مثلاً صورت لنا أفلام الغرب "كاوبوي" أو راعي البقر في أميركا على أنه البطل؟ وكيف صرنا نكره خصومه الذين أطلق عليهم تسمية "الهنود الحمر"، مع أنهم لم يكونوا هنوداً ولا حمراً.كان بطلانا "جاري كوبر" و"جون وين" وغيرهما ممن جاء غازياً لأرض جديدة بمن عليها من السكان الأصليين، ولتبرير فعلته تلك صور لنا أولئك المسالمين على أنهم وحوش، مصاصو دماء، قاطعون لفروة الرأس. وكان أن شن حرب إبادة على سكان البلاد الأصليين، ومنها أول حرب كيماوية وجرثومية، إن جاز التعبير، حين منحوهم بطانيات بها أمراض كالجدري وغيره.
مناسبة الحديث هو زيارتي لكندا مدعواً في مهمة عمل ألقيت فيها محاضرات وأجريت لقاءات مع برلمانيين من الحكومة والمعارضة ووزراء وأكاديميين وإعلاميين، وكذلك شخصيات فاعلة من الجالية العربية هناك، ولكن لذلك حديث آخر.عندما حطت قدماي أرض أميركا في أواخر السبعينيات للدراسة، وكنت أتساءل إن كان "الهنود الحمر" فعلاً بتلك الوحشية التي صوروها لنا، فاتضح أن الصورة كانت معكوسة، حيث كان الغازي يصور ضحيته بوحشية لكي يظهر أمام العالم وكأنه مغلوب على أمره. صورة مكررة، نراها ورأيناها في أماكن عديدة، وليست فلسطين عنا ببعيدة. زرت في أوتاوا المتحف الكندي للتاريخ، والذي تم فيه إلغاء صفة الهنود الحمر ليصبحوا "ابوريجنست" أو السكان الأصليين، وتطالعك العبارة التالية "نحن مازلنا هنا، نحن نساهم بتنوعنا، نحن لدينا علاقة تاريخية ومستمرة مع هذه الأرض".تغيرت الأمور لصالح إقرار الكثير من حقوق السكان الأصليين، لكن بعد استقرار ميزان القوى لصالح الأجانب.لكي تستقر الأمور بين البشر لابد من تخفيف جرعة الكراهية، وأهم الوسائل لتحقيق ذلك إشاعة العدل والمساواة بين الناس، وإعطاء كل ذي حق حقه، وبقدر ما أن المسؤولية ملقاة على عاتق الحكام إلا أن المسؤولية مجتمعية كل حسب صلاحياته.الكراهية ليست فطرية ولكنها مكتسبة، لذا فإن علاجها ممكن، ولذا يحاول "خبراء وزعماء" الكراهية أن يقنعونا بأنها موجودة في الجينات وهي ليست كذلك.