لكل روح ثوب ترتديه، تماماً كالثياب التي نرتديها على أجسادنا..،

Ad

الفارق بين ثياب الجسد وثياب الروح، أن ثياب الأجساد يسهل التلاعب بها من أجل الخداع فتكون بذلك غالبا مرايا كاذبة وغير أمينة على رسم صورة صادقة لأجسادنا، على عكس ثياب الأرواح فهي صادقة للدرجة التي لا تستطيع إلا أن تخبرنا عن الجليد الذي يخبئ تواقيعه على جوهرنا من الداخل أو بصمة الجمر المشتعلة فيها!

ثياب الأجساد غايتها ستر عورات أجسادنا، وإخفاء عيوبها، وبنفس الوقت إبراز ما بها من جمال إن وجد، أما ثياب الأرواح ليس لها هدف سوى كشف صورة أرواحنا كما هي دون إكسسوارات، ودون تزويق أو تزوير، إنها شفافة جداً للدرجة التي يمكن أن نجزم بكل يقين أن ليس لديها ما تخبئه خلف ظهرها قطعاً!

ثياب الأجساد عجوز ماكرة، تعرف كيف تتحايل على الأبصار، وتتقن تسويق الوهم لها لتفتن في بضاعة فاسدة وسريعة التلف، بينما ثياب الأرواح طفلة بريئة، لا تنطق إلا بما ترى، فإن رأت الملك عارياً صاحت بتلقائية: انظروا .. إن الملك بلا ثياب!

تُحاك ثياب أجسادنا على مقاس أجسادنا، بينما تُحاك أرواحنا على مقاس ثيابها، لسبب غاية في الأهمية، وهو أن ثياب الأجساد متنوعة جداً، ومتعددة الأشكال والتصاميم والألوان، لتناسب كل الأجساد على اختلافها، بينما ثياب الأرواح محدودة جداً بثلاثة أنواع لا رابع لها: الحب، والغضب, والجنس!

هذه الثياب فضيحة أرواحنا التي لا تستر من عوراتها شيئاً.

الحب يكشف ملامحنا من الداخل، فعندما نُحِب أو نُحَب تتبين الشياطين والملائكة التي تسكننا، وتخرج رغما عنها وعنّا من مخابئها. الحب يرسم خارطة دقيقة لا تقبل التشكيك لأجمل ما فينا وأسوأ ما فينا، وما بينهما من خير ومن شرّ، الامتلاك والفقد، السيطرة والاستلاب، ما نحن وما نود أن نكون، تلك دوائر في الحب تضيّق الخيارات أمامنا لتجعلنا وجها لوجه أمام أكثر صفاتنا عمقا، وتظهر كيفية تعاطينا معها.

الثوب الثاني الذي يشف عن ملامح أرواحنا، ثوب الغضب، وهو أقسى الثياب الثلاثة لكشف ملامح أرواحنا بأدق تفاصيلها، وهو أقل الثياب الثلاثة رحمة في إظهار بشاعتنا التي نحاول إخفاءها عن العيون المتربصة بضعفنا الإنساني ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، ولتحدّي جمالنا الإنساني بوضعه تحت أقسى الاختبارات ليبيّن مدى تجذّره فينا، وما إذا كان ذلك الجمال من باب الادّعاء أم الأصالة في أعماقنا، فما بين الانتقام والسماح مساحة شاسعة للغضب يمارس فيها شتى أنواع الوسائل والطرق للكشف عن أصغر بقعة معتمة أو مضيئة فينا، وتحديد مواطن الماء والجفاف في نفوسنا بدقة لا تعرف الخطأ!

أما الثوب الأخير الذي يفضح أرواحنا وينمّ عن سوئها أو حسنها، فهو ثوب الجنس، ففيه لا يتعرى فقط الجسد عمّا يرتديه، وإنما تتعرّى الروح أيضاً بل وربما قبل الجسد أحياناً، فتنكشف صفاتنا الحقّة عندما نتعاطى مع أكثر غرائزنا الإنسانية بدائية، وأكثر شهواتنا إلحاحاً، حيث لا مجال أن نكون سوانا، نفوس سامية أم أخرى وضيعة دنيئة!

فإذا كنا نُحيك لأجسادنا ثياباً تجعل أجسادنا جميلة، فالأولى أن نحرص على حياكة أرواح لنا تجعل ثيابها فاتنة!