هناك شرط مهم من شروط النصر في «عاصفة الحزم» يتعلق بالمحيط الداخلي، حيث إنه من دون كسب تعاطف وولاء القطاعات الغالبة من اليمنيين لمصلحة هذه الحرب، سيصعب جداً تحقيق الهدف، فكسب قلوب اليمنيين معركة لا تقل أبداً في أهميتها عن الهيمنة على مجال اليمن الجوي أو السيطرة على مضيق باب المندب.

Ad

كان الرئيس الإيراني حسن روحاني يتحدث في شهر فبراير الماضي، في طهران أمام جموع حاشدة من مواطنيه، احتفاء بالذكرى الـ36 للثورة الإسلامية، حين أكد منتشياً أنه "لا يمكن بسط السلام والاستقرار في المنطقة إلا من خلال إيران... العالم كله يدرك ذلك، ليس للعالم طريق آخر غير الاتفاق معنا".

خلال هذا الخطاب المثير للاهتمام، حرص روحاني، الذي يوصف بأنه "رئيس معتدل"، على الإشارة إلى أن بلاده باتت تمتلك أوراقاً للعب في أربع دول عربية؛ إذ قال: "لقد رأيتم كيف ساعدت إيران شعوب العراق وسورية ولبنان واليمن على مواجهة الإرهاب".

لذلك، فقد طمأن روحاني آلاف المواطنين الذين كانوا يستمعون إليه، بالقول إن مفاوضات بلاده مع الدول الكبرى من أجل حل مشكلة ملفها النووي ستمضي إلى "اتفاق يحافظ على عظمة الأمة الإيرانية وتقدمها". بعد تلك الواقعة بأيام، كان علي يونسي مستشار الرئيس الإيراني يتحدث في محفل عام، حين فجر مفاجأة كبيرة جديدة؛ إذ أعلن أن بلاده "أصبحت إمبراطورية... وعاصمتها بغداد".

كان يونسي قد تولى مناصب رفيعة سابقة في منظومة الحكم الإيرانية؛ منها منصب مدير الاستخبارات في رئاسة محمد خاتمي، كما كانت له تصريحات مثيرة للجدل أيضاً؛ إذ طالب في إحدى المرات بـ"ضرورة عودة رمز الأسد، والشمس الحمراء" إلى شعارات الجمهورية، وهي طبعاً شعارات كانت تعبر عن العصر الإمبراطوري.

ليس ذلك أسوأ ما قيل في هذا الصدد، لكن دعوة رئيس تحرير وكالة "مهر" الإيرانية للأنباء حسن زادة، العراق إلى الاتحاد مع إيران، و"ترك العربان والعروبة المزيفة" كانت رسالة أكثر وضوحاً ومباشرة.

تنضم إلى تلك المواقف والتصريحات عشرات من المقولات الأخرى التي صدرت عن أركان في الحكم والنخبة الإيرانية، وكلها تعكس عناصر رئيسة؛ أولها الاستعلاء والشعور بالتمكن، وثانيها الحس الإمبراطوري ونزعة الهيمنة، وثالثها تسخير النفوذ الإقليمي لخدمة التفاوض مع القوى الكبرى على الملف النووي.

ستكون السطور السابقة هي محاولة للإجابة عن السؤال الأول الخاص بـ"عاصفة الحزم"؛ أي "لماذا اندلعت تلك الحرب؟".

كانت الإشارة الأولى التي نبهت إلى تدبير "إيراني شيعي" يسعى إلى هيمنة إقليمية قد صدرت عن العاهل الأردني الملك عبدالله بن الحسين في ديسمبر من عام 2004؛ حين حذر من صعود "هلال شيعي" في المنطقة.

بعدها في أبريل من عام 2006، أدلى الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك بتصريحات اعتبرت "غير لائقة"، و"صادمة"، اتهم فيها الشيعة العرب بالولاء لإيران؛ وهو الأمر الذي استدعى رداً من كل من بغداد وطهران، كما استفز مواطنين عديدين من الشيعة في أكثر من بلد عربي.

عبر الملك عبدالله والرئيس مبارك آنذاك عما كان يدور في رؤوس كثيرين في طبقات الحكم والنخب السياسية والاجتماعية إزاء ما عُرف بـ"التوغل الشيعي"، أو "محاولة استعادة الإمبراطورية الفارسية"، أو شن إيران "حروباً بالوكالة" في أكثر من بلد عربي لتحقيق مصالحها السياسية، وخصوصاً تلك التي تتعلق بملفها النووي.

سيُسهّل ذلك لنا محاولة الإجابة عن السؤال الثاني الخاص بـ"عاصفة الحزم"، وهو: "ما الهدف من الحرب؟".

الهدف من الحرب ببساطة منع إيران من التمدد الإقليمي، وتقليم أظافرها، وتهذيب نفوذها، عبر تحرير الإرادة اليمنية من سيطرتها، وتقليل العنصر الإيراني في صنع السياسة العربية.

سيكون لتلك الحرب أهداف أبعد بكل تأكيد؛ مثل الحد من قدرة إيران على الوصول إلى اتفاق مع القوى الكبرى يُمكّنها من الهيمنة على الإقليم، واحتواء التمرد الذي يتخذ طابعاً طائفياً في أكثر من بلد عربي، وتعزيز الأمن والاستقرار في السعودية والبحرين ودول أخرى، وتكريس اليقين في قدرة العرب على الدفاع عن أنفسهم وحماية مصالحهم واتخاذ القرارات الصعبة والمبادرات المهمة.

أما السؤال الثالث المتعلق بـ"عاصفة الحزم"؛ فهو السؤال عن إمكانية تحقيق النصر في تلك الحرب.

لقد تم تعريف النصر في تلك الحرب باعتباره "الحد من نفوذ إيران الإقليمي، وتقليل أوراق اللعب التي تمتلكها، وتخفيف الضغوط على دول عربية عدة، وتحرير اليمن من هيمنة طهران، واستعادته مرة أخرى إلى دوره الوطني والإقليمي، وتعزيز اليقين في قدرة العرب على العمل المشترك الفعال لصيانة مصالحهم".

لكي يتحقق هذا النصر، يجب أن يتم احتواء أي خلافات بين أطراف التحالف العربي، وخصوصاً مصر وقطر، وهنا سيثور الحديث مرة أخرى عن "دعم الإرهاب" أو "دعم الإخوان"، ومن المهم جداً إيجاد حل ناجع لتلك المعضلة، حتى يتسنى للجميع العمل خلال تلك المعركة، وما سيتلوها، من دون فجوات أو توقعات بانفراط عقد التحالف أو فتور الحماس له.

سيكون من المطلوب الحفاظ على غطاء سياسي دولي جيد، لقد حصلت "عاصفة الحزم" على تأييد واضح من الولايات المتحدة، وفرنسا، وبريطانيا، وتركيا، ودول أخرى، لكن الاتحاد الأوروبي أظهر تحفظاً، والأمم المتحدة لم تظهر ترحيباً أو تفهماً.

إن العمل الدبلوماسي الفعال سيحسن من صورة تلك الحرب، وسيحافظ على درجة مناسبة من الدعم لها، فمن شروط النصر الضرورية أيضاً أن تخضع العمليات التي يجريها التحالف العربي لحساب دقيق من جانب تقييم التكاليف والعوائد، وينصرف هذا مباشرة إلى التفكير في مسار المعارك، وما إذا كان التدخل البري سيكون مطلوباً؟ وفي أي مرحلة؟

يجب عدم التورط في التدخل البري إلا بعد حسابات عميقة ودراسات وافية، ويجب ألا يحدث ذلك إلا في أضيق الحدود الممكنة، تجنباً للانزلاق في معركة استنزاف كبيرة، ويمكن أن يحدد التحالف العربي موعد البدء بها، لكنه لا يستطيع أن يحدد موعد إنهائها.

يبقى شرط أخير من شروط النصر، يتعلق هذا الشرط بالمحيط الداخلي، وهو أنه من دون كسب تعاطف وولاء القطاعات الغالبة من اليمنيين لمصلحة هذه الحرب، سيصعب جداً تحقيق الهدف.

كسب قلوب اليمنيين معركة مهمة لا تقل أبداً في أهميتها عن الهيمنة على مجال اليمن الجوي أو السيطرة على مضيق باب المندب.

* كاتب مصري