تضيء شاشة الجوال قربي، نداء استجابة لمستغيث، أمد يدي بتثاقل نحو الهاتف، فقد كنت شبه غافٍ في وقت يعدّ من أغبي أوقات النوم بالنسبة لي، قرأت اسم المتصل خطأً إثر شبه غفوة في وقت غبي! أجبت، رد صوت شديد الوضوح، عميق، وبالكاد تميز رجفةً ما، ظننتها لأول وهله بقايا نزلة برد تلفظ آخر أنفاسها، وبعد مجاملات لم تطل كثيراً، أبلغني بأنني مستدعى بعد غد ذلك اليوم إلى مبنى وزارة الثقافة والإعلام في الرياض للتحقيق في مقال كنت كتبته في إحدى الصحف المحلية في المملكة العربية السعودية تضمن نقداً لأداء إحدى الجهات الحكومية هناك، هذه الجهة اعتبرت ما ورد في المقال نقداً موجعاً للحد الذي لم تحتمل مرارته، بالرغم من محاولتها فعل ذلك على امتداد ما يقارب السنتين، أي الوقت الذي نُشِر فيه المقال موضوع القضية!
انتهت المكالمة بكلمات تشي بحرص خجول على الحضور في الموعد، بالرغم من أنني لم أُبْدِ ما يدل بأي شكل من الأشكال نيتي عدمَ الذهاب، أو حتى الذهاب!استرجعت المكالمة قليلاً، فاختلف تفسير بعض تفاصيلها لديّ، تلك الرجفة مثلاً، التي كنت أظنها بقايا برد مستتر، أصبحت أراها مؤشر ارتباك وقلق، خلف ذلك الصوت الواضح العميق.بشكل ما شعرت بأن تلك المكالمة كانت رسالة خوف، لا وسيلة لإيصال رسالة حضارية للتقاضي بين طرفين عبر قنوات رسمية وأمام لجنة مختصة للحكم!ذلك أول ما لفت انتباهي في القضية كلها، سألت نفسي على الفور سؤالاً: أليس هذا هو ما نريد؟!لماذا يخشى الناس استخدام ما يطالبون به؟!أثار هذا الموضوع فضولي، فاتخذت من موضوع استدعائي للتحقيق فرصة لا يمكن تفويتها لخوض تجربة شخصية لمعرفة الأسباب، قررت أن أبلغ في هذه التجربة أقصاها، ضمن القانون، طالما أنني أعرف مسبقاً ما هو أقصى ثمن قد أدفعه للخسارة الكاملة!طرحت خبر استدعائي على صفحاتي الشخصية في قنوات التواصل الاجتماعي مع قليل من «التميلح» فقط للإشارة إلى أنني أنظر إلى الموضوع بعين مرحة!وما إن فعلت ذلك حتى بدأت تنهال الردود التي تصور هول الكارثة، وبؤس ما فعلت، بعض الردود أبدى تعاطفه الصادق معي في هذه المصيبة العظمى، وحصنني بالآيات والدعاء والأمنيات الطيبات، وبعضها لم يقلل من حجم الكارثة، ولكنه حاول الشد من أزري، ولو معنوياً، لمقاومتها، البعض الآخر من الأصدقاء الجميلين حاول أن يضفي على الموضوع روح المرح، خاصة أنه التقط رسالتي من خلال صياغة الخبر نفسه.كل تلك رسائل خوف سلبية مهما كانت النوايا، رسائل تجعلنا مقيدين بأوهامنا دون أن نختبرها، لذا قررت المضي في التجربة قدماً واختبارها والكتابة عنها، ومازال التحقيق مستمراً...
توابل - ثقافات
مازال التحقيق مستمراً
04-09-2014