كتبت في "الجريدة" منذ أسابيع مقالاً بعنوان "نحن نقول نصف الحقيقة"، قلت: إن المنطقة تعج بالكراهية، وأشرت إلى دور إيران في تأجيجها، وختمتها بالقول: "إذا اكتفينا بتحميل إيران المسؤولية عما يجري من أحداث نكون قلنا نصف الحقيقة"!
وكنت بصدد المقال الثاني الذي يُكمل النصف الثاني من الحقيقة... إلا أن الكثير نصحوني بالتريث قليلاً، فالظرف لا يسمح، ومنطقة الخليج كلها في مواجهة سياسية عنيفة مع إيران... فعدلت عن كتابة الموضوع.***ولما قرأت محاضرة جيمس بيكر وزير الخارجية الأميركي الأسبق، التي ألقاها في جمعية الشؤون السياسية الخارجية في واشنطن، وحضرها ستة من وزراء خارجية أميركا السابقين، كما حضرها الرئيس أوباما والرئيس الأسبق بوش، لفت انتباهي أن معظم النقاط التي كنت أنوي الارتكاز عليها في المقال، الذي عدلت عن كتابته، وردت في محاضرة بيكر... وسوف ألخص ما قاله الوزير الأميركي الأسبق في السطور التالية:عندما أحرق مواطن تونسي نفسه احتجاجاً على سوء الأوضاع في بلاده أشعل ذلك الحدث سلسلة من الاحتجاجات عمت الشرق الأوسط، ضد الحكم الاستبدادي، والفساد المستشري في معظم دول العالم العربي.وأنا ضد الطغيان فكيف لا أميل إلى هذه الاحتجاجات؟!... لكني أعرف الشرق الأوسط جيداً، فدوله لا تعرف الكثير عن التمثيل الديمقراطي، إذ إن معظمها دول "هشة" و"متصدعة" بفعل انقسامات سياسية، ودينية، وحكم استبدادي طال أمده.إن الوضع المتأزم في سورية فتح الباب أمام حركات دينية، ومذهبية، وطائفية، وقبلية، وسياسية وإسلامية متطرفة، اجتاحت المنطقة برمتها... ورغم أن هذه الحركات محلية الصنع، إذ إنها تشكلت في الدول التي نشأت فيها، فإن خطرها تجاوز حدود دولها.فالتصدع السني الشيعي في الإسلام أصبح العامل الأهم في عدم الاستقرار في دول الشرق الأوسط، فشيعة إيران يناصرون شيعة العراق وسورية، ويدعمون الحوثيين في اليمن.وفي المقابل، يناصر النظام السني في السعودية السُّنة في الدول الأخرى... وقد دخلت في حرب مباشرة أخيراً في اليمن.إن الصراع السعودي الإيراني عامل فعال في تشكيل الصورة الكبيرة للصراع في الشرق الأوسط، إذ تسعى كل من الدولتين إلى الهيمنة على المنطقة... والخوف السعودي من التمدد الإيراني لا يقوم فقط على أساس طائفي، بل استراتيجي أيضاً، وبالذات في اليمن.عادت دورة العنف إلى العراق، مع مكاسب "داعش" في المنطقة السنية، والوضع في اليمن خطير، بينما قد تنتج العملية السعودية المدعومة من الولايات المتحدة في اليمن حرباً بالوكالة بين السعودية وإيران... وهذا ما أراه ممكناً اليوم... نأمل ألا يحدث.يجب أن نكون واقعيين، الديمقراطية وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط طريقهما صعب، وستحدث فيها المزيد من الفوضى قبل أن تنعم شعوب المنطقة بالحرية... فالملكيات تبدو مستقرة نسبياً - باستثناء البحرين، بينما الجمهوريات عرضة لعدم الاستقرار.يجب ألا ننسى في خضم كل هذا مصالح أميركا في المنطقة، والأهم من كل هذا وذاك "أمن اسرائيل"!الاتفاق السلمي حول الملف النووي الإيراني أفضل جداً من أي عمل عسكري قد يُنتج تداعيات خطيرة في المنطقة.***شكراً جيمس بيكر... قلت ما لم ينقله الإعلام العربي، كما لم ينقل حقيقة ما دار في كامب ديفيد بين قادة الخليج والرئيس الأميركي... لأن ما كتبته لوس أنجلس تايم يخالف تماماً ما ذكره الإعلام العربي!
أخر كلام
شكراً... جيمس بيكر!
30-05-2015