يجب الاعتراف بأن إصلاح الرياضة يكمن في تغيير نموذجها الحالي من أساسه، فإحلال رياضيين صالحين محل آخرين فاشلين لم يعد الحل السحري كما كان الوضع في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، لأن الرياضة بشكل عام تحولت إلى صناعة واحتراف وعلم.
نكأت خسارة منتخب الكويت الوطني القاسية امام نظيره العماني الاسبوع الماضي جراح الواقع الرياضي المحلي، لتشتعل بعدها مطالبات واسعة النطاق من الشارعين السياسي والرياضي بمحاسبة المقصرين، مع مواكبة بيان مجلس الوزراء الاخير لنفس السياق وبلهجة مشددة، ولكن دون اتخاذ قرارات حاسمة من شأنها ايجاد حل جذري لأزمة الرياضة التي كانت الخسارة الثقيلة هي رأس جبل الجليد فيها.الرياضة في الكويت رغم انها ليست من شؤون الاقتصاد المباشرة الا انها بكل تأكيد من اوجه الادارة، فالقطاع الرياضي بشكله الحالي لا يمكن فصله عن مجمل مشاكل الادارة في الكويت وتأثيراتها المباشرة وغير المباشرة على التنمية والشباب، بل ولا حتى عن الصراع السياسي، إذ باتت الرياضة، خصوصا خلال الـ24 عاما الاخيرة، جزءا من مشروع الطموح السياسي - لاسيما مشروع الحكم - لعدد من الشيوخ والتجار والنواب والسياسيين.محسوبياتوتعتبر الرياضة حالياً بيئة لانعدام الانجاز والمحسوبيات والشللية و»التضبيط» لدرجة ان اندية معدومة الجماهيرية صار عدد اعضاء جمعيتها العمومية يتجاوز 10 آلاف عضو، في حين ان عدد مشجعي هذا النادي لا يمكن ان يتجاوز بأفضل الاحوال 100 شخص.هذه الاجواء، وما يرافقها من بيئة تسمح للانتهازيين واهل العصبيات الطائفية والقبلية بولوج إدارات الاندية الرياضية، ساهمت الى حد كبير في تراجع الرياضة الكويتية على مدى سنوات، فالجمعيات العمومية، وهي في معظم الاحوال بعيدة عن الرياضة وهمومها، بل تستخدم كوقود انتخابي عبر سداد الاشتراكات التي تسمح لها بالتصويت وبالتالي انتخاب مجالس ادارات في افضل الاحوال يمكن وصفها بغير المهنية، وهو ما ينعكس سلبا على الاتحادات واللجنة الاولمبية، والقاعدة في الاندية انتخابية تصويتية، في معظمها غير رياضي، وعندما يكون الخلل في القاعدة يصبح لدينا نماذج مشوهة في مجالس ادارات الاندية والاتحادات واللجنة الاولمبية خصوصا عندما يطغى الولاء الشخصي على الكفاءة والمعايير الفنية.حتى ان الرياضة الكويتية صارت منذ سنوات غير قليلة عديمة الانجاز، فما كان يتحقق في بداية الثمانينيات من القرن الماضي لم يعد متاحا بعد اكثر من 30 عاما، فالفوز بكأس آسيا 1980 والوصول الى اولمبياد موسكو والتأهل لكأس العالم 1982 والسيادة المطلقة على بطولة كأس الخليج لسنوات، فضلا عن مستويات جيدة جدا لمنتخبات الالعاب الجماعية كاليد والطائرة والسلة؛ كل هذه الانجازات تحققت على ايدي رياضيين حقيقيين ركزوا على مفاهيم سليمة في الادارة والتطوير والتحفيز وفقا لمعايير وظروف زمانهم.ولعل نماذج الفشل في الادارة الرياضية بسبب سيطرة غير الرياضيين متنوعة، وفي اكثر من قطاع، فالعديد من الاندية قلص عدد اللعبات التي تشارك فيها الاندية لاسيما الالعاب الفردية وباتت اكثر الاندية قائمة على 4 او 5 العاب بحد اقصى، كما بات الحديث عن صناعة اللاعب امرا بعيدا عن الاهتمام، وصار التركيز اليوم على المناصب واللجان، فضلا عن معارك الصراع الرياضي دون اهتمام بكيفية تطوير الرياضة.وضع سيئيجب الاعتراف بأن الحل اليوم يكمن في تغيير النموذج الحالي في الرياضة من اساسه فوجود رياضيين صالحين محل اخرين فاشلين لم يعد الحل السحري كما كان الوضع في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، لأن الرياضة بشكل عام تحولت الى صناعة واحتراف وعلم، ناهيك عن ان الوضع «الخرب» في الرياضة ناتج عن جمعيات عمومية لا علاقة لها بالرياضة وستعمل على عرقلة اي مبادرة اصلاح وتغيير... فضلا عن ان كل المحاولات السابقة لإقصاء المتطفلين على الرياضة عبر التشديد على تجديد العضوية فشلت، ومازال غير الرياضيين يسيطرون على مقاليد الجمعيات العمومية ومن ثم الاندية ثم الاتحادات، فاللجنة الاولمبية.لذلك فالحل يتمثل في تغيير نموذج القطاع الرياضي من الجذور من خلال خصخصة الاندية، كليا او جزئيا، لتتحول ادارتها وملكيتها أو جزء كبير منها من القطاع العام الى الخاص بالضبط كما هو الحال في الاندية الاوروبية او حتى في الاندية المصرية او التونسية او المغربية، التي يتشارك القطاعان العام والخاص في معظمها.ضوابط النجاحغير ان نجاح الخصخصة في القطاع الرياضي يستوجب مجموعة من الضوابط الاساسية لضمان أن تكون الاندية بيئة سليمة للتطوير الرياضي، وألا تكون امتدادا للوضع الحالي البائس، اولها ان تلعب الهيئة العامة للشباب والرياضة دور الجهة العليا الناظمة، وتمارس دورها في الرقابة والاشراف على الاندية والالعاب الفردية والجماعية التي على النادي ان يشارك فيها الى جانب التركيز على مدارس اعداد الناشئين وغيرها من الآليات التي تضمن ان تتحرك الاندية بشكل صحيح بعد تخصيصها مع الاخذ بعين الاعتبار تطوير مراكز الشباب في المناطق للراغبين في ممارسة الرياضة كهواية.و من المهم مع تخصيص الاندية ان يكون لدينا قانون للاستثمار الرياضي يتيح للمستثمر تحقيق عوائد مالية من استغلال مرافق النادي تجاريا لتحقيق الايرادات وتنظيم عمليات الرعاية والتسويق، وربما حتى بيع القمصان والمجسمات وغيرها، كما يحدث في الاندية الاوروبية، ويجب في المقابل ان يتوقف الدعم الحكومي للاندية... فلا دعم حكوميا لشركات خاصة.وكذلك يعد تطبيق الاحتراف الكلي للاعبين امراً مهماً واساسياً، فلم تعد الرياضة مجرد هواية بل صناعة، وهناك دول غير أوروبية، بل حتى من دول العالم الثالث، طبقت الاحتراف الكلي وباتت مصنعا لتصدير النجوم الى الاندية العالمية، فنظم الاحتراف اليوم باتت معتمدة في إفريقيا وآسيا والشرق الاوسط والأميركيتين، اي في معظم بقاع العالم التي تحقق اليوم نتائج مبهرة في الرياضة عموما، لا في كرة القدم فقط.وينبغي أن تكون من مهام الهيئة العامة الشباب والرياضة مراقبة اوجه الصرف على الرياضة داخل الاندية، بحيث يلزم القانون المستثمر - مثلا - باستثمار مبالغ على اغراض النادي «التشغيلية» مثلا 5 ملايين دينار خلال 3 سنوات على اللاعبين، ومرافق النادي الرياضية، وليس الاستثمارية كالمطاعم او المولات.خصخصة الأندية وتحويل الرياضة من هواية الى صناعة يمكن ان تكون احد نماذج النجاح البسيطة التي عجزت الدولة عن تقديمها في مؤسسات أكبر، لذلك فإن العمل على إعداد مشاريع خصخصة ناجحة للقطاع الرياضي بكل ما فيه من جماهيرية يمكن ان يكون تسويقاً لخصخصة مشاريع اكبر... المهم ان ترى الناس نماذج ناجحة أولاً.
آخر الأخبار
تقرير اقتصادي : الرياضة... حاجة لتغييرات استثمارية جذرية وتخصيص الأندية
27-11-2014