ما الزمنُ البديل؟
![فوزي كريم](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1498033753948674500/1498033754000/1280x960.jpg)
زمنُ المنفى لا مفاصلَ فيه واضحة، فهو لا يُستعاد. الذاكرةُ تأبى أن تحتفظَ به، لأن عناصرَ المشهد فيه رخوةٌ: فالزمانُ، والمكانُ، والشخوصُ مبعثرةٌ لا تنتسب لبعض. والذاكرةُ إنما تحتفظ بمشهدِ العناصرِ المتماسكة. ولذا تستجيب بيسر حين تستدير إلى زمنك الأول: ماءُ النهر يضطربُ بالزوارق على مقربة، وأنت إلى جوار عِذْق النخلةِ السامق، تمس استدارة التمرة الناضجة بحذر. وبعيداً على الأرض تحتك، هتافُ صحبك المنتظرين. زمن المنفى لا يحتمل استدارة الذاكرة:واليومَ أحدّقُ في نهر التَيْمس،وعبرَ ضبابِ الزمن الرائقِ ودخانِ الزمنِ المتعجّلْ،لا أعثرُ بين مراكبه المتعاليةِ على مُتّسعٍ ليْ!ولذا طمّنتُ النفسَ على هذا المجرى المتطفّلْلي، ولزورقِ حلُمي الخشبيْ.(من قصيدة «مدينة في مرآة») ولكن ما حكاية هذا الزمن البديل الذي يختلقه المنفي، بعد ضياع زمنه الأول وزمن المنفى؟ هل هو أشبه بـ «نيرفانا» الباحث عن الخلاص من وطأة الزمن؟ إنه زمنٌ داخليٌّ بالتأكيد، عموديٌّ إن صحَّ التعبير. زمنٌ لا ساعةَ فيه ولا تقويم بالأيام والأشهر. إنه ليس الدهرَ المطلقَ، أو الأبديَّ الذي يتحدث عنه الفلاسفة، بل هو الزمنُ الشخصي الذي يصطنعه المنفي لنفسه. زمن عالمه الداخلي الذي يرشح من مُنخُل غياب زمنين، أرحمهما به كان إيهاميّاً:فأعدتُ إلى رأسي الزمنَ الأولْزمنٌ لا يُحسَب باللحظاتِ ولكن بالموج المرسلْللنهر. أُعري النفس وألقيها بين الأمواجِ، أقولُ لها:يا نفسُ تنائيْ عن حرمانك، فتجيبْ:يا هذا، إن البيتَ مضيقٌ يفصل هاويتينْ،والعابرَ بحراً بحثاً عن ضفةٍ أخرىقد يفقد ضفتينْ! (من قصيدة «الربع الخالي»)