بعد مرور نحو أربعة أعوام على اندلاع ثورة يناير 2011، التي أطاحت حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، أماط قائد الحرس الجمهوري المصري السابق اللواء نجيب عبدالسلام، اللثام عن أسرار وكواليس مرحلة خطيرة في تاريخ مصر الحديث، كان شاهداً عليها من داخل قصر «الاتحادية» الرئاسي منذ عهد الرئيس حسني مبارك حتى الرئيس محمد مرسي مروراً بمرحلة المجلس العسكري الانتقالية.

Ad

وكشف اللواء عبدالسلام في أول مقابلة له مع صحيفة عربية، أن التقارير التي وصلت إلى الرئاسة بشأن تظاهرات يناير إبان حكم مبارك كانت مضللة. وفي ما يلي تفاصيل الحوار.

• كيف كانت الأجواء داخل القصر الرئاسي بداية من 25 يناير 2011 حتى تنحي الرئيس الأسبق حسني مبارك؟

- كما هو معروف فإن هذا اليوم كان يصادف الاحتفال بعيد الشرطة، ووردت إلى الرئاسة تقارير بأن هناك دعوات للتظاهر عبر موقع التواصل «فيسبوك» عقب أحداث الثورة التونسية، وكانت هناك استهانة بهذه الدعوات من جانب حاشية مبارك مثل رئيس ديوانه زكريا عزمي وأمين التنظيم بالحزب الوطني «المنحل» أحمد عز، الذين كانوا يقللون من خطر هذه التظاهرات، ويؤكدون أن ما حدث في تونس لا يمكن أن يحدث في مصر، من منطلق حرصهم على ما وصلوا إليه من مناصب ونفوذ، ولذلك لم نعر التظاهرات اهتماماً خاصة أن مبارك كانت لديه ثقة كبيرة بقدرة وزير داخليته حبيب العادلي على احتوائها، كما أن التقارير التي وصلت إلى الرئاسة وقتئذ كانت مضللة، وبدأت الأمور تتصاعد تدريجياً خلال أيام 25 و26 و27 يناير إلى أن جاء يوم 28 المعروف بـ»جمعة الغضب» وفقدت الشرطة السيطرة على الأوضاع، وحينئذ أعطى مبارك تعليماته للجيش بالنزول إلى الشارع، وأبلغني بسرعة تأمين مبنى الإذاعة والتلفزيون خلال ربع ساعة، لأن هناك مجموعة من الأشخاص يحاولون إحراقه، وبالفعل وصلنا خلال 11 دقيقة تقريباً، ووجدنا أشخاصاً بحوزتهم زجاجات مولوتوف و«جراكن بنزين» كانوا على وشك إحراق المبنى، لكننا نجحنا في ضبطهم وسيطرنا على المبنى، ولو تأخرنا دقيقتين فقط لتم إحراقه.

• هل حاولت الحديث مع مبارك بشأن الفساد؟

- بالفعل حاولت الحديث معه في إحدى المرات من منطلق حرصي على بلدي، إلا أنه لم يعطني الفرصة وانفجر غضباً على اعتبار أنني رجل عسكري ولا يحق لي الحديث في الأمور السياسية، وتأكدت حينئذ أن نهاية هذا النظام اقتربت وأن التغيير قادم لا محالة.

• لكن البعض يرى أن انسحاب الشرطة كان مؤامرة لإحداث الفوضى، ما تعليقك؟

- غير صحيح فالشرطة لم تنسحب، لكنها انهارت تماماً بعد أن فقد عناصرها الاتصال بقيادتهم، ومن هنا كان لابد من نزول الجيش لتأمين البلاد.

• ممن كنت تتلقى التعليمات عقب اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة للمرة الأولى بدون مبارك؟

- انعقاد المجلس في هذا التوقيت يعد أمراً طبيعياً نظراً للظروف الطارئة التي كانت تشهدها البلاد، ولابد أن يكون في حالة انعقاد دائم لمتابعة تطورات الأحداث على الأرض، وبالتالي لم يكن في حاجة لأخذ أوامر من مبارك لكي ينعقد، لكن بالتأكيد كانت هناك رسالة أرادت القوات المسلحة توجيهها إلى مبارك مفادها ضرورة الاستماع لمطالب جموع الشعب، وكنت في هذه الأثناء مازلت أتلقى التعليمات من مبارك، لأنه كان مازال في يديه زمام الأمور، لكن قوات الحرس الجمهوري هي في الأساس وحدة من وحدات القوات المسلحة بوضع خاص وبمهام خاصة، فهي تتبع رئيس الجمهورية في الأوضاع الطبيعية، إلا أنه في حالات الطوارئ مثل الحروب والثورات تتحرك مع بقية وحدات الجيش حتى لا يحدث تضارب في الأوامر.

• هل تلقيت تعليمات بإطلاق الرصاص على المتظاهرين في حال اقترابهم من قصر الرئاسة؟

- لم نتلقَّ أي أوامر بإطلاق الرصاص لا من الرئيس الأسبق ولا من قيادات الجيش، لكن أفراد الحرس الجمهوري ليسوا في حاجة لأخذ أوامر بإطلاق الرصاص لأن لديهم مطلق الحرية في اتخاذ القرار الذي يرونه مناسباً إذا وجدوا أي تهديد أمني، ولذلك عندما اقترب المتظاهرون من القصر في 10 فبراير أي قبل التنحي بيوم واحد وحرصاً مني على سلامة المتظاهرين قررت سحب كل الذخيرة الحية من قواتي ووضعتها بنفسي داخل الصناديق وأغلقتها، وأمرت بعدم فتحها إلا بقرار مني، لأنه لو أُطلقت رصاصة واحدة لسالت بحور من الدماء، وهداني الله إلى فكرة وضع الأسلاك الشائكة حول القصر حتى لا يحدث أي احتكاك حفاظاً على أرواح المتظاهرين.

• هل طرح سيناريو التوريث كان أحد أسباب غضب القوات المسلحة من مبارك وبالتالي عدم دعمه؟

- بالتأكيد كانت هناك حالة غضب بين قيادات الجيش بسبب محاولة توريث حكم البلاد لجمال مبارك، لكن كانت هناك قناعة تامة داخل القوات المسلحة بأن المطالب التي أخرجت الناس إلى الشوارع مشروعة ويجب الاستجابة لها، لذا كان لابد من الوقوف إلى جانب الشعب الذي نحن جزء منه، وفي هذا التوقيت تحديداً بدأ يشعر مبارك بأن حكمه قد شارف على النهاية.

• كيف كان يتابع مبارك تطورات الأحداث؟

- من خلال التقارير التي تصل إليه من وزراء الداخلية والدفاع والإعلام، وكان في هذه الفترة على اتصال دائم بي لدرجة أنني أحياناً كنت أتلقى منه أكثر من 12 اتصالاً هاتفياً في اليوم الواحد، بينما كان في الأوضاع الطبيعية يتصل بي بمعدل مرة واحدة في الشهر، وكنت في هذه الفترة مكلفاً بحراسة جميع القصور الرئاسية على مستوى الجمهورية وبعض المنشآت الحيوية مثل مبنى الإذاعة والتليفزيون «ماسبيرو»، وكان يخرج من عندي نحو ستة آلاف جندي وأكثر من ألف ضابط في اليوم الواحد، وكان هناك حالة من التوتر الشديد والقلق بالإضافة إلى أن التردد في اتخاذ القرارات أدى إلى التعجيل بسقوط النظام، لدرجة أن الخطاب الشهير الذي ألقاه مبارك قبل حادثة «موقعة الجمل» كان يُفترض أن يلقيه في الحادية عشرة صباحاً، لكن التردد جعله يلقيه في الحادية عشرة مساءً، وكانت الأجواء متوترة لأننا لم نواجه مثل هذا الموقف من قبل.