تعديلات «أسواق المال» تجاوزت ضغوط السياسيين وأهل المصالح

نشر في 15-01-2015 | 00:09
آخر تحديث 15-01-2015 | 00:09
No Image Caption
• البورصة بحاجة إلى تطوير جذري لا حماية المتلاعبين • مطلوب أدوات وأسواق وخيارات جديدة لجذب السيولة
تعديلات قانون هيئة أسواق المال قضية مفتعلة من بدايتها، تحالَف فيها سياسيون مع متلاعبين متضررين من تطبيق القانون، لتأخذ وقتاً أكثر مما تستحق، حتى توهم البعض أن معالجة مشكلات البورصة وخمولها تكون بمجرد تعديل القانون.

تجاوزت التعديلات المقترحة للقانون رقم 7 لسنة 2010 بشأن إنشاء هيئة اسواق المال جانباً مهماً من الضغوطات السياسية والمصلحية التي كانت تستهدف تطويع عمل هيئة اسواق المال، بما يتناسب مع التلاعبات المالية والاستثمارية التي كانت سائدة قبل تأسيس الهيئة.

وابتعدت التعديلات التي تلقتها إدارة الفتوى والتشريع من نائب رئيس الوزراء وزير التجارة والصناعة عبدالمحسن المدعج عن محورين اساسيين، كان من شأنهما إعادة العبث بالبورصة وهما:

- عدم رفع نسبة تقديم عرض الاستحواذ الإلزامي من 30 إلى 50 في المئة "المادة 74"، وهو مقترح من شأنه استبعاد صغار المساهمين من اي عملية استحواذ بين كبار الملاك مع معالجة بعض التفاصيل الفنية الخاصة بنمو الحصص "فوق 30 في المئة" بشكل استثنائي نتيجة الإرث أو الاكتتاب بحصة امتنع ملاك آخرون عن الاكتتاب فيها.

- تجاوز تعديل العديد من المواد الخاصة بعقوبات المتلاعبين وتمييع موادها وتعديل مواد محكمة واضحة إلى مواد أقل إحكاماً ووضوحاً، وفيها هامش أكبر من التحايل وهو ما يتعلق مثلا بالمواد 119 و122 و123 من القانون، اذ ان بعض المقترحات سعت الى تفريغ هذه المواد من محتواها بعد ان اتخذت لجنة التأديب التابعة للهيئة إجراءات عقابية بحق مجموعة من المتلاعبين في البورصة.

في المقابل جاءت التعديلات بمجموعة مقترحات فنية كالسماح بإنشاء بورصات اخرى وليست شركة بورصة واحدة، مع إضفاء تشدد إضافي في عقاب أي بورصة مخالفة كسحب رخصتها إذا توقف العمل فيها دون أسباب مقبولة دون تحديد عدد الأيام كما السابق، والفصل بين عمل الرئيس التنفيذي لأي شركة بورصة وعمل رئيس مجلس الإدارة، ناهيك عن إعداد ميزانية الهيئة على النمط التجاري.

المعالجة الحقيقية

ما يهمنا اليوم ليس الانشغال بملف تعديلات قانون هيئة اسواق المال، فهي قضية مفتعلة من بدايتها تحالف فيها سياسيون مع متلاعبين متضررين من تطبيق القانون لتأخذ وقتا اكثر مما تستحق حتى توهم البعض ان معالجة مشكلات البورصة وخمولها يكون بمجرد تعديل القانون، في حين ان البورصة تحتاج الكثير من العمل والجهد والتفكير لوضعها في الطريق السليم.

فالموقف من تعديل قانون هيئة اسواق المال لا يعني دعما للهيئة او مجلس مفوضيها الذي عليه ان يواجه مسؤوليات كبيرة ومهمة ترفع من مستوى السوق، وهذا يجب ان يكون الاهتمام الحقيقي وأصل التركيز، فمثلا تخلفت بورصة الكويت عن 3 أسواق أسهم خليجية هي أبوظبي ودبي وقطر في الترقية إلى مستوى الاسواق الناشئة حسب تصنيف مورغان ستانلي (MSCI).

وقد جاء نجاح هذه الأسواق الإقليمية بعد جهود في اضفاء تقاليد مهنية اكثر على التعاملات وتوضيح مصادر الأرباح، سواء كانت تشغيلية أو غير تشغيلية أو استثنائية غير مكررة، مع وضع آليات لتقييم الاصول وطرح استثمارية جديدة كصانع السوق والبيع على المكشوف وادراج شركات كبرى تشغيلية وحقيقية لتستقطب أفكارا وأموالا من الداخل والخارج.

أسواق ورقابة

ما يجب العمل عليه هو ان يكون لدينا فعلا اكثر من سوق، كبورصة لتطوير السوق الثانوي واخرى للادراجات الاولية، وثالثة لأسواق السندات ناهيك عن اسواق السلع المتخصصة كالذهب والطاقة والعملات والعقار، ففي تنوع البورصات استقطاب اكثر للاموال المحلية والاجنبية واضفاء لمهنية وخبرة وخيارات اكثر في السوق.

ما نحتاجه اليوم ليس تعديل قانون الهيئة بل تركيز الرقابة ما امكن على أسهم شركات صغيرة محدودة الأصول عالية المغامرة متخمة بالديون، وهنا المسؤولية تبادلية بين الجهة الرقابية والمتداولين انفسهم، فدروس الأزمة لم تنس بعد، وأهمها الابتعاد عن الأسهم الورقية الضعيفة الأصول او العائد، إذ لا تزال هناك مجموعة من الاسهم الخطيرة تحصل على تعاملات قياسية ومضاربات عالية على مدى أسابيع متتالية، الأمر الذي يشير إلى أن هناك من لم يتعلم جيداً من دروس الأزمة المالية ومازال يرتكب نفس الأخطاء السابقة.

جذب سيولة

ان كانت هناك خطة لتطوير السوق فهي جذب السيولة، فيجب ان نعرف أن نمو حجم ودائع القطاع الخاص منذ بداية الأزمة العالمية بلغ 95.6 في المئة، حيث ارتفع حجهما من 16.5 مليار دينار إلى الرقم الحالي 32.2 ملياراً.

وإذا أعطت هذه الارقام مؤشرا، فهو قناعات المستثمرين افرادا وشركات بواقع السوق المحلي لا سيما البورصة التي كانت تاريخيا اولى وجهات المستثمرين الأفراد، خصوصا في ظل ضعف العائد على الودائع، ما يعني ان المستثمرين لم يجدوا اي فرصة مجدية لاستثمار اموالهم، خصوصا في غياب اجراءات الحكومة للتحفيز الحقيقي وإنعاش الاقتصاد، وهنا يجب ان يكون العمل لجذب جزء من هذه المليارات من الودائع الى البورصة، وليس من خلال تعديل القانون.

قرارات تأديب

إن القرارات المتتالية لمجلس التأديب خلال العام الماضي ساهمت بشكل كبير في تنظيف السوق من متلاعبين ظنوا لسنوات طويلة انهم خارج اطار تطبيق القانون وأوهموا الآخرين انه لا سوق ولا تداول ولا بورصة دونهم، في حين أن العقوبات موجودة في أسواق مجاورة كالسعودية، والتي حاول المتلاعبون هناك مع بداية تأسيس سوق المال لديهم الضغط لتغيير قانونها، إلا أن الجدية في التطبيق كرست المفاهيم وقواعد الشفافية والمهنية والافصاح، وخلقت بيئة سليمة في السوق بعيدة عن نفوذ وألاعيب المتلاعبين.

back to top