ما وراء وادي السيليكون

نشر في 05-05-2015
آخر تحديث 05-05-2015 | 00:01
لا شك أن ما يحدث في وادي السيليكون اليوم مبهر بكل المقاييس، فقد بلغ الاستثمار في رأس المال المخاطر مستويات شبه قياسية من الارتفاع، وتتزايد أعداد من يتحولون إلى أصحاب مليارات بين عشية وضحاها، وهناك ما يزيد على العشرين من مبرمجي البرمجيات يتقاضون رواتب تتألف من ستة أرقام.
 بروجيكت سنديكيت مرة أخرى يؤكد وادي السيليكون في كاليفورنيا مكانته كأساس للمشاريع العالية التقنية وتكوين الثروة، ولكنه ليس نموذجاً لخلق الوظائف والنمو الشامل الذي يستطيع صناع السياسات ورجال الأعمال في أماكن أخرى محاكاته، على الأقل ليس من دون إدخال بعض التعديلات الجوهرية عليه.

لا شك أن ما يحدث في وادي السيليكون اليوم مبهر بكل المقاييس، فقد بلغ الاستثمار في رأس المال المخاطر مستويات شبه قياسية من الارتفاع، وتتزايد أعداد من يتحولون إلى أصحاب ملايين- بل مليارات- بين عشية وضحاها، وهناك ما يزيد على العشرين من مبرمجي البرمجيات يتقاضون رواتب تتألف من ستة أرقام.

لقد دفعت هذه الطفرة عجلة التعافي الاقتصادي في كاليفورنيا، وجنباً إلى جنب مع القيادة السياسية الشجاعة، مكنت الولاية من الإفلات من أزمة مالية بدت وكأنها حالة ميؤوس من علاجها.

لكن شركات التكنولوجيا اللامعة في وادي السليكون والمستثمرين الممولين لها يسكنون جزيرة معزولة من الرخاء، والواقع أنه على بعد مئة ميل فقط في الداخل، عند الوادي الأوسط في كاليفورنيا، تظل معدلات البطالة أكثر من 10% (11.2% في فريزنو، و10.4% في موديستو)، مع انحدار متوسط دخل الأسرة إلى أقل من نصف مثيله في بالو ألتو في قلب وادي السيليكون، وإذا كان المستثمر المغامر تيم غرابر قد نجح في مبادرته المضللة لتقسيم كاليفورنيا إلى ست ولايات، فإن وادي السيليكون كان سيصبح أكثر الولايات ثراءً في الولايات المتحدة، وكان الوادي الأوسط سيصبح أفقرها.

السؤال الرئيسي إذاً هو: كيف يمكن تسخير البراعة الإبداعية والمغامرة التجارية في وادي السيليكون لتحقيق هدف النمو الاقتصادي الشامل في قلب أميركا؟ وإلى حد ما، بدأ هذا يحدث بالفعل، مع تكييف رجال الأعمال من أصحاب الرؤى في مدن مثل ناشفيل، وسينسيناتي، ونيو أورليانز، وويتشيتا، وسولت لايك سيتي لوصفة وادي السيليكون للنجاح مع الظروف والفرص المحلية؛ وخلق فرص عمل الطبقة المتوسطة المطلوبة بشدة في هذه العملية، ولكن بوسعنا، بل يتعين علينا، أن نقوم بالمزيد لدعم هذا التوجه.

قام مركز ميلر التابع لجامعة فيرجينيا مؤخرا بإنشاء لجنة (كان أحدنا، وهو ليني، عضواً فيها) لتحديد الاستراتيجيات اللازمة لدعم خلق وظائف الطبقة المتوسطة من خلال ريادة الأعمال، والواقع أن الأفكار المقترحة في تقرير اللجنة تتضمن توفير التدريب المهني والتوجيه لأصحاب المشاريع المحتملين والشركات البادئة، وخلق أنظمة إيكولوجية لدعم البنية الأساسية والحد من الحواجز التنظيمية.

ويسلط التقرير الضوء أيضاً على أهمية فتح رأس المال لرجال الأعمال في "مين ستريت"، الذين يكافحون من أجل العثور على حاجتهم من التمويل لإطلاق أو دعم أو توسيع نطاق عملياتهم، وخصوصا بعد أن تسبب الركود الأخير في إبعاد العديد من البنوك المجتمعية التي كانوا يعتمدون عليها تقليدياً للحصول على الائتمان، وعلى النقيض من هذا، تتمتع الشركات البادئة في وادي السيليكون بدعم سخي من صناديق رأس مال المخاطر، حيث حصلت على نحو 30% إلى 35% من كل استثمارات رأس مال المخاطر التي استخدمت منذ ثمانينيات القرن الماضي.

ولم يتركز الاستثمار في رأس مال المخاطر في قسم صغير من البلاد فحسب؛ بل إنه اتجه في الآونة الأخيرة إلى دعم التوسع في استثمارات المراحل اللاحقة، وليس إطلاق الشركات البادئة. بعبارة أخرى، لم تعد صناديق رأس المال المخاطر مناسبة لدعم الشركات الجديدة التي ربما تعمل على توليد عدد كبير من الوظائف وتعزيز الازدهار محليا، لكنها لا تستطيع إطلاق الاكتتاب بمليارات الدولارات.

قبل اندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية، كان رجال الأعمال يعتمدون غالباً على المدخرات الشخصية، وبطاقات الائتمان، وقروض المنازل، والاستثمارات من أصدقاء وأقارب للحصول على رأسمال الشركات البادئة، ولكن منذ عام 2008، لم يتمكن سوى قِلة من رجال الأعمال الطموحين من اقتراض كميات كبيرة من المال من البنوك، وأغلب الناس ليس لديهم أقارب أو زملاء نصف أثرياء.

بيد أن أصحاب المشاريع في مين ستريت يستطيعون الاختيار بين خيارين رئيسين- وغير مستغلين بالكامل- من خيارات التمويل؛ يكمن الأول في القطاع العام، ففي الولايات المتحدة، يعمل قانون إعادة الاستثمار المجتمعي- الذي استن لضمان قيام البنوك التي تجمع الودائع في المجتمعات ذات الدخل المنخفض أو المتوسط بإعادة استثمار بعض أرباحها في هذه المجتمعات- على دعم أكثر من 60 مليار دولار في التمويل المجتمعي، مقارنة بنحو 48 مليار دولار من تمويل رأس المال المخاطر في العام الماضي.

ورغم أن الكثير من هذا الاستثمار يوجه تقليدياً نحو الإسكان، فإن عدداً متزايداً من المستثمرين والبنوك- بما في ذلك صندوق أسهم باي إيريا، وفيليغ كابيتال، وصندوق روبرت إنتربرايس للتنمية- يستثمرون صناديق قانون إعادة الاستثمار المجتمعي في المشاريع. وآخرون، مثل بريدجز فينشرز، وباسيفيك كوميونيتي فينشرز، يستخدمون مؤسسات تمويل التنمية المجتمعية وميزانيات شركات التأمين لتوسيع مجمع التمويل المتاح للشركات البادئة والمجتمعات المحرومة.

ويكمن مصدر ثان لرأس المال في المؤسسات الخيرية الخاصة والمجتمعية، والتي يلزمها القانون الأميركي بالتبرع بما لا يقل عن 5% من أصولها لأعمال الخير سنويا، وفي عام 2012، وزعت مثل هذه المؤسسات نحو 52 مليار دولار لدعم بعثاتها الخيرية، وقد وجهت أغلب أصولها الباقية والتي بلغت 715 مليار دولار إلى استثمارات تقليدية، من أجل توليد العوائد التي من شأنها أن تعمل على توسيع قاعدتها الرأسمالية.

لكن عدداً متزايداً من المؤسسات- مثل مؤسسة بِيل وميليندا غيتس، ومؤسسة روكفيلر، ومؤسسة كريسغ- تعمل على زيادة حصة الأصول التي توجهها نحو الاستثمارات التي تزيد من حجم أعمال الخير التي تنفذها، ومن الممكن أن تساعد مثل هذه الاستثمارات في تسريع الاستثمار بالتأثير، والذي يسعى إلى تحقيق عائد اجتماعي ومالي، ولكن من المؤسف أن الإنفاق المتصل بهذا البرنامج لا يزال يمثل 1% فقط من رأس المال الذي تنشره هذه المؤسسات، حيث 0.05% فقط من هذا يذهب إلى الاستثمار في الأسهم.

وقد بدأ الاستثمارات العامة والخيرية في الشركات البادئة المحلية في تحقيق العوائد بالفعل، سواء من حيث خلق الوظائف أو توليد العائدات المالية، فجمع صندوق أسهم باي إيريا الرائد في هذا المجال نحو 75 مليون دولار من البنوك، وشركات التأمين، وصناديق التقاعد، والأفراد؛ ونجح في خلق نحو 15 ألف وظيفة، كانت 2218 منها في أحياء ذات دخل منخفض ومتوسط، وتوليد عائد سنوي لمستثمريه بلغ 24.4%.

وبوسع الحكومة أن تفعل الكثير لتشجيع مثل هذه الاستثمارات، فبادئ ذي بدء، يتعين عليها أن تعمل على صقل القواعد التي تحدد أي الاستثمارات تلبي متطلبات قانون إعادة الاستثمار المجتمعي، وعلى نحو مماثل، كما أوصى فريق العمل الأميركي بشأن الاستثمار بالتأثير، ينبغي للسلطات أن توضح الأنشطة الاستثمارية المسموح بها للمؤسسات المعفاة من الضرائب.

كما لا ينبغي تقليص دينامية وادي السيليكون، فلا يجوز التقليل من شأن بقية إمكانات البلاد في مجال ريادة الأعمال، فبالاستعانة بالحوافز المناسبة والتمويل بواسطة مصادر خيرية، يصبح بوسع أصحاب المشاريع الذين يخلقون الوظائف أن يعملوا كمحرك للنمو الأكثر شمولاً في المجتمعات في مختلف أنحاء الولايات المتحدة.

* لورا تايسون | Laura Tyson ، رئيسة مجلس الرئيس الأميركي للمستشارين الاقتصاديين سابقا، وأستاذ في كلية هاس لإدارة الأعمال بجامعة كاليفورنيا في بيركلي، وكبيرة مستشاري مجموعة روك كريك، و ليني ميندونكا | Lenny Mendonca ، المدير السابق لشركة ماكينزي آند كومباني.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top