لا عزاء اليوم للمفتونين بإيران!

نشر في 18-05-2015
آخر تحديث 18-05-2015 | 00:01
لا عزاء اليوم للمفتونين بإيران، بعد صحوة الخليجيين والعرب، وانطلاق «عاصفة الحزم» التي عرَّت إيران وقطعت ذراعها في اليمن، وجعلتها في أسوأ حالاتها، لا تستطيع نجدة حليفها الذي يولول ويستنجد ويستغيث ويستصرخ، ولكن ما من مجيب ومغيث! هذا مصير كل المفتونين والمخدوعين.
 د. عبدالحميد الأنصاري أذكر قبل ٧ سنوات بالتحديد أن مثقفاً خليجياً معروفاً، وكان قد شغل مناصب قيادية في بلده، انتقد الموقف الخليجي من إيران، فصرح لمجلة عربية "المبهورون بالأجنبي صهاينة جدد، والمفارقة أن نتصل بإسرائيل، ونرفض الحوار مع إيران".

 المفارقة الحقيقية في موقف هذا الكاتب المحسوب على الكتّاب الليبراليين أنه ينتقد الموقف الخليجي من إيران، ويتجاهل أن إيران هي الرافضة دائماً بكل استعلاء أي حوار حقيقي وجاد مع الخليج، هي الرافضة ومنذ البداية إنشاء مجلس التعاون الخليجي ولا تعترف به، هي الرافضة باستمرار احترام حسن الجوار باستفزازاتها وتهديداتها المستمرة وتدخلاتها التخريبية، وهي الرافضة بعناد اليد الخليجية الممدودة للحوار حول الجزر الإماراتية.

والمفارقة الثانية: أن الكاتب يتهم زملاءه الليبراليين بأنهم مبهورون بالغرب وصهاينة جدد، مع أن الانبهار بمنجزات الحضارة المعاصرة وكشوفاتها التي غمرت العالم ليس تهمة تستوجب "الصهينة"، إلا أن الكاتب يتناسى نفسه، إذ تعلم في الغرب وتثقف بثقافته ويعيش حياة غربية في وطنه الخليجي، ومنغمس فيها حتى أخمص قدميه!

والمفارقة الثالثة: أن حضارة الغرب- وكما يقول البليهي- قد قدمت ما يبهر ويفتن، ومن لا ينبهر بها يعاني جموداً في الإحساس وهزالاً في الإدراك، ولكن ماذا قدمت إيران بعد ٣٦ سنة لشعبها وللمنطقة غير البؤس والشقاء؟ غير التخريب وزعزعة الاستقرار والأمن؟! كل الصراعات الإقليمية اليوم وراءها إيران، من ينكر ذلك فعليه أن ينزع الغشاوة عن عينيه ليبصر حوله جيداً!

ما منجزات نظام "ولاية الفقية"؟ وماذا قدم للعالم عبر ٣٦ عاماً غير شعار "الموت لأميركا" العدوة الكبرى التي يسعى اليوم إلى صداقتها؟!

المفارقة الرابعة: أن يعجب بنموذج الدولة الدينية في إيران رموز إسلامية، أو قادة لتيارات سياسية إسلامية، من الذين وصفهم الشيخ القرضاوي بـ"المفتونين" بإيران وحزب الله، وذلك بعد انقلابه عليهما، بسبب "الغزو الشيعي" للمنطقة، وعدم وقوف أصدقائه معه، بل إنكارهم عليه، حتى إنه تألم لموقفهم المتخاذل، متمثلاً بقصيدة الشاعر المجاشعي القيرواني:

 وإخوان تخذتهمو دروعاً      فكانوها، ولكن للأعادي

وخلتهمو سهاماً صائبات        فكانوها، ولكن في فؤادي

فكل هذا أمر مفهوم باعتبار أن التيارات الدينية السياسية "السنية والشيعية" جميعاً، يجمعها في النهاية أساس واحد "الدولة الدينية"، ولكن ماذا وجد كاتبنا الليبرالي في حكم "الولي الفقيه" الديني المذهبي، حتى يفتتن به ويدافع عنه؟!

المفارقة الخامسة: يزداد عجب المرء من هؤلاء الذين ما زالوا يهونون من المخاطر ونفوذ التغلغل الإيراني في العمق العربي، وهم يشاهدون ويبصرون "الحرائق الإيرانية" المشتعلة في المنطقة: العراق وسورية ولبنان وغزة واليمن!

قادة إيران يتفاخرون علناً ويتباهون على الملأ بنفوذهم على ٤ عواصم عربية، وتحكمهم في ممرات الملاحة العالمية، و"اللوبي الإيراني" في المنطقة ما زال يردد ويدافع باستماتة بأن مقولة "خطورة إيران، وزعزعتها لاستقرار المنطقة" مجرد دعاية أميركية لترسيخ نفوذها في المنطقة، فلا تصدقوها!

قادة إيران يعبرون عن مطامحهم التوسعية وأحلامهم في إمبراطورية ممتدة إلى الحوض المتوسط، وأصحابنا من كتّاب "اللوبي الإيراني" يجاهدون في إقناعنا أن إيران خير نصير لنا ولقضايانا!! حسناً: هل يحتاج المرء جهدا ليبصر تجليات التمدد الإيراني وتداعياته في المنطقة؟! من الذي يحاربنا في العراق وسورية ولبنان وغزة واليمن، أليسوا هم وكلاء إيران الذين زودتهم بالمال والسلاح؟!

المفارقة السادسة: أن "اللوبي الإيراني" يتجاهل عمداً أن إيران، ومنذ قيامها على نظام "ولاية الفقيه" وتبنيها استراتيجية "تصدير الثورة"، تقوم بشكل ممنهج بتسخير كل مواردها لخدمة هذه الاستراتيجية ونشرها في كل العالم الإسلامي لا في دول المنطقة فحسب، وما اضطرارها اليوم للاتفاق النووي إلا لحاجتها الملحة إلى الموارد اللازمة لتمويل استراتيجيتها العظمى (تصدير الثورة) باعتبارها "رسالة دينية" مقدسة، ولدعم حلفائها وعملائها الذين استنزفوها، فهي تتنازل مرحلياً من أجل الهدف الأعظم (تصدير الثورة)، ودع عنك أوهام أوباما وتسويقه لفكرة أن الاتفاق يقوي جبهة المعتدلين، وأن الانفتاح يطبع إيران ويجعلها مهتمة ببناء الداخل- هذه سذاجة عرفناها عن الرئيس الأميركي- فالعكس هو الصحيح تماماً، الاتفاق وكما يراه كل المحللين سيقوي جناح المتشددين الذين بدأوا يروّجون أن الغرب رضخ أخيراً لإيران، وخصوصا أن رفع العقوبات سيحرر إيران من كل القيود، وسيطلق يدها في المنطقة لإكمال مشروعها التخريبي بشكل أقوى، بل إن الاتفاق سيمكن إيران من التفرغ الكامل، لخدمة رسالتها المقدسة (نشر المزيد من الفوضى، تعجيلاً بظهور المهدي المنتظر). لن تصبح إيران دولة طبيعية إلا إذا تخلت عن أيديولوجيتها، وهذا غير متصور في ظل ولاية الفقيه، وإلا فقدت مشروعيتها! وهي بلا سلاح نووي أكثر خطورة على المنطقة، وطبقاً للمفكر الكويتي والنائب السابق عبدالله النيباري "الخطر الحقيقي على الخليج، ليس امتلاك إيران للسلاح النووي الذي سيكون محرماً عليها استخدامه، بل هو تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة".  وعلى المخدوعين والمفتونين تأمل أول بضاعة اشترتها إيران بعد الاتفاق (صواريخ s300) وليس ما يخفف معاناة شعبها، ما دلاله ذلك؟ ثقة حكام إيران في إحكام دفاعاتهم تعطيهم حافزاً استفزازياً لمزيد من التدخلات التخريبية؟ تأملوا مقولة أمر الله إيشلر مستشار أردوغان: "أضرار ألحقتها إيران بالعالم الإسلامي، فاقت أضرار الصهيونية على مدى عقود" حتى تستفيقوا!

ختاماً: لا عزاء اليوم للمفتونين بإيران، بعد صحوة الخليجيين والعرب، وانطلاق "عاصفة الحزم" التي عرَّت إيران وقطعت ذراعها في اليمن، وجعلتها في أسوأ حالاتها، لا تستطيع نجدة حليفها الذي يولول ويستنجد ويستغيث ويستصرخ، ولكن ما من مجيب ومغيث! هذا مصير كل المفتونين والمخدوعين.

* كاتب قطري

back to top