أمة بلا مشروع

نشر في 29-09-2014
آخر تحديث 29-09-2014 | 00:01
 ناصر الظفيري أجمل تعليق سمعته عن "داعش" تعليق زميل في العمل يقول: ان "داعش كفيروس الكمبيوتر تطلقة الشركات ثم تطلب منا شراء مضاد له".

أشد فترات حياتنا العربية سوادا وانعداما حقيقيا للرؤية هي هذه الفترة التي نعيشها اليوم، وربما لم نر لها مثيلا خلال القرن الماضي بأكمله بالرغم من هزائمنا المتتالية وخيباتنا الكبرى التي عاصرنا بعضها وقرأنا بعضها. ولكنها بالتأكيد فترة متوقعة وما نتوقعه في الأيام التى ستليها ليس أقل منها بؤسا وقتامة.

في نصف قرن، على الأقل، سلمنا حياتنا ومستقبلنا لرجال البزات العسكرية وفشلنا في أن نصنع لنا مشروعا حضاريا يواكب مشاريع الأمم المهزومة، ولا أقول المنتصرة، فشلنا الأول كان في أن نثق بالانسان ونحرص على حريته وحقه في الكرامة أو الحد الأدنى من الكرامة. فشلنا الأول في خوفنا منه حين يتعلم تعليما حقيقيا في ألا يكون مضطرا لأن يصبح فاسدا كي يعيش. سارت حياتنا خلال نصف قرن هو أهم نصف قرن بشري بعد الحرب العالمية الثانية في خطين لا ثالث لهما: الخط الأول هو عسكرة الناس واخضاعها لآلة الرهبة والخوف ليستولي العسكر على أهم ثلاث عواصم ثقافية وعلمية في العالم العربي هي القاهرة وبغداد ودمشق نضيف لها عواصم أخرى تحت ولاية العقيد والفريق واللواء وغيرهم، والخط الثاني هو الخط الديني والهيمنة على عقول الشباب والنجاح في غسل الأدمغة لتقف في وجه التطور الطبيعي للفكر والعلم.

ساهمنا جميعا في رعاية هذين الخطين والاستسلام التام لهما، وقف الشعراء والأدباء والمفكرون على جانبي الخطين يؤيدون هذه الأطروحات ويقودون الأمة باتجاه الولاء المطلق لهما. ولم يفلح المفكر في صناعة عقل علمي حر ولم يفلح الديني في صناعة روح سامية. لدينا مدارس وليس لدينا تعليم حقيقي ولدينا مساجد وليس لدينا سوى نزعة التكفير، لدينا اعلام اختطفه السيد الرئيس لصوره ومقابلاته اليومية وأغانيه التمجيدية، كان لدينا وطن ولم يكن لدينا مواطن.

أصبحنا نكرر بغباء ويأس مريض أننا أمة لا تصلح لشيء، أمة غير مؤهلة لقيادة نفسها وشعب لا يمكنه تقبل حكم نفسه بنفسه، نحن دائما بحاجة لمخلص يقودنا كالقطيع الى ايماننا به وكفرنا بذواتنا. ما أنتجه لنا العسكر هو ايماننا بأننا لا نصلح لشي بدونهم، نقاتلهم ونعود نقبل بأساطيرهم ليعودوا لحكمنا. وما أنتجه الفكر الديني هو متطرفو المذاهب وقاطعو الرؤوس والذين يحلمون بالنسخته السيئة من التاريخ. وأصبحنا ننظر الى الأقل تشددا بأنه رسول الرحمة التي تحتاج اليها أرواحنا.

لم نتعلم من تجارب الغرب البعيد في صناعة الانسان، وها هو يجيد صناعة عقول خاوية مليئة بالحقد للانسان ثم يطلب منا أن ندفع ثمن قتالها. لم نتعلم من الشرق والذي يتأهب ليكون قوة اقتصادية وصناعية ضخمة. نحن قلب هذا العالم نتلقى صدماته الكهربية ولا نعمل كما ينبغي.

في مواجهة كل فكر متطرف يبرز لنا مرادف آخر متطرف، النصرة ضد داعش، عصائب الحق ضد حالش، وهكذا، هل هناك فكر تنويري حقيقي له وجود في مواجه هذا العبث؟ بالطبع لا.

back to top