انشغلت واشنطن بالاتفاق النووي مع طهران، وانصرفت عقول العرب إلى المسألة اليمنية، بينما انهمكت بغداد في عمليات تكريت وتشعبها غرباً وشمالاً بالتنسيق مع البيشمركة الكردية، وظلت القوى السنّية في العراق خارج دائرة الاهتمام بنحو ملحوظ، إذ توقف الحوار معها حول أخطر القضايا، وأصبح معظم السنّة مجرد متفرجين على الأحداث إلى حد كبير.

Ad

وحفلت الشهور الماضية باهتمام كبير بالتواصل مع القوى السنّية، وظل الجنرال جون آلن منسق الائتلاف الدولي ضد "داعش" ومبعوث البيت الأبيض إلى العراق، يعقد اجتماعات مكثّفة مع الأحزاب والشخصيات وممثلي المجتمع المحلي ورجال الأعمال، متنقلاً بين "المنافي" التي لجأوا إليها، من إسطنبول إلى عمّان ودبي وأربيل. كذلك استقبلت واشنطن وفوداً سياسية من نينوى والأنبار لبحث خطة "دحر داعش"، إذ استند التصور الأميركي على فكرة أن التخلص من هذا التنظيم لا يتم بعمل عسكري خالص ، بل أيضاً بتفاهمات وتسويات سياسية تضمن إنخراط القوى السنية في الحرب إلى جانب الحكومة وبالتنسيق مع التحالف الدولي، وتضمن كذلك وضع قواعد إدارية وأمنية جديدة لإدارة مناطق السنّة بعد الحرب، بما يكفل عدم عودة أجواء الاحتقان التي تشكلت فيها جماعة "داعش" وازدهرت.

لكن الأمور منذ مطلع مارس الماضي، سارت بطريقة مختلفة، إذ توقف الحوار السياسي بين بغداد والقوى السنّية انشغالاً بمعارك تكريت، وتراجع الاهتمام الأميركي الذي كان مُنصباً على تشجيع العراقيين كي يبرموا تسويات تتعلق بالأمن والسياسة، وراحت واشنطن تنشغل بدور إيران والميليشيات المتعاظم في الحرب، وغابت عن الجدل السياسي متطلبات المصالحة مع المجتمعات السنّية، والنتيجة تأخر المراجعة المطلوبة لما يعرف باجتثاث البعث الذي يطال طبقة التكنوقراط والجنرالات السنّة منذ سقوط صدام، كما تأخر اتفاق "الحرس الوطني" الذي كان يفترض أن يمنح المناطق السنّية لوناً من قوة الدفاع الذاتي، فضلاً عن قانون العفو العام الذي يفترض أن يمثل بادرة حسن نية من بغداد تجاه آلاف المعتقلين خارجاً عن الضوابط القضائية.

ورغم أن سليم الجبوري رئيس البرلمان يحاول تحريك هذه الملفات، ونجح في عقد اجتماع مع رئيسي الجمهورية فؤاد معصوم والحكومة حيدر العبادي، غير أن الأوساط السياسية تعد ذلك "تكراراً لفظياً" للوعود، بينما ظل آلاف المتطوعين السنّة بلا تسليح، ولايوجد ما يضمن تنفيذ الاتفاقات السابقة، خصوصاً أن تكريت التي صارت خالية من "داعش"، لا توجد فيها خطة لصوغ الوضع الجديد، لأن الأحزاب السنّية تطرح سؤالاً: من سيحكم تكريت، أمناً وإدارةً؟ ولا تحصل على جواب، لأن حكومة العبادي نفسها لا تمتلك إجابات وافية بعد عجز البرلمان عن بناء توافق حول منح السنّة تشريعات تمكنهم من التمتع بحقوق إدارية وأمنية جديدة، تكفل معالجة ويلات الحرب، وتخفف الاحتقان، وتمنع ظهور العنف السياسي مجدداً. ويشير هؤلاء إلى أن تأخر الإجابات في تكريت سيعقد الأوضاع في معارك مرتقبة في الأنبار ونينوى.