ردم الهوة التقنية في الهند

نشر في 26-12-2014
آخر تحديث 26-12-2014 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت إن من السخرية بمكان أن الهند التي توفر الحلول للعديد من أكثر مشاكل التقنية تعقيداً، والتي تواجه أكبر الشركات في العالم لم تستفد كثيراً من التقدم التقني، ولحسن حظ المواطنين الهنود فإن رئيس الوزراء ناريندارا مودي ينوي تغيير ذلك.  فالهوة بين الهند ونظيرتها الآسيوية الصاعدة الصين كبيرة، فبينما الصين خلقت أضخم سوق على الإنترنت، وأصبحت قائدة عالمية في الطاقة المتجددة فإن الهند بدأت لتوها باستكشاف آفاق التجارة الإلكترونية، فتقنية المعلومات لا تزال بعيدة عن متناول ملايين الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، ومعظم السكان لا يزالون معزولين عن الاقتصاد الرقمي.

وحتى تواكب الهند ذلك أعلنت حكومة مودي في أغسطس مبادرة رقمية وطنية: 1.13 تريليون روبية (19 مليار دولار أميركي) من أجل مد 250 ألف قرية باتصالات النطاق العريض وتوفير خدمة المحمول العالمي، وتوسيع الخدمات الحكومية على الإنترنت، وتوصيل جميع أنواع الخدمات الأساسية عن طريق الإنترنت، فمن نافلة القول إن هذا سوف يساهم في تطوير طموحات الحكومة الإلكترونية في الهند.

فالتوجهات التقنية تساعد قضية مودي، وانخفاض التكاليف بشكل سريع، والزيادة في قدرات الأداء لمجموعة من التقنيات الرقمية- بما في ذلك الإنترنت النقال والحوسبة السحابية وأنظمة الخبرة- تجعل الانتشار على نطاق واسع احتمالية ممكنة في العقد القادم حتى في الهند الفقيرة نسبيا. وهذه التقنيات الرقمية- مع التقدم الذي أُحرز في علم الجينومكس (يدعم الابتكار في الزراعة والطب) والطاقة غير التقليدية (طاقة الهواء والطاقة الشمسية والنفط والغاز من الصخر الزيتي)- سوف تمكن مئات الملايين من الهنود من الحصول على الخدمات المالية بأسعار معقولة؛ مما يعني أن تلك التقنيات في نهاية المطاف سوف تعيد تحديد كيفية تقديم خدمات التعليم ومخصصات الأغذية والرعاية الصحية، فالأبحاث التي قامت بها مؤسسة مككنسكي غلوبال تشير إلى أنه بحلول 2050 من المرجح أن تساهم تلك العوامل بمبلغ 550 مليار دولار أميركي على أقل تقدير وتريليون دولار أميركي على أبعد تقدير في الدخل السنوي الهندي.

وسيتم توزيع المكاسب على مجموعة منوعة من القطاعات، حتى لبعض القطاعات التي تتمتع بمستويات منخفضة من تبني التقنية، فالتطبيقات الحالية في الزراعة والرعاية الصحية والتعليم والبنية التحتية يمكن أن تساهم بشكل جماعي بمبلغ 160 إلى 280 مليار دولار أميركي في الناتج المحلي الإجمالي السنوي، والأهم من ذلك كله تمكين الهنود العاديين.

ومن المحتمل أن تمكّن الابتكارات التعليمية– مثل التعليم التكيفي والتدريس عن بعد- نحو 24 مليون عامل من تلقي سنوات أكثر من التعليم، والحصول على وظائف ذات أجور أعلى، فالخدمات المالية المتنقلة ستمكن 300 مليون هندي من الوصول إلى النظام المالي؛ مما يسمح لهم ببناء الائتمان، فالزراعة الدقيقة– استخدام أنظمة المعلومات والبيانات الجغرافية من أجل توجيه الزراعة والري وغيرها من النشاطات– يمكن أن تساعد 90 مليون مزارع على زيادة إنتاجهم والتقليل من خسائر ما بعد الحصاد، مع حرية الوصول لبيانات السوق في الوقت المناسب من أجل تعزيز مداخيلهم.

ومن الممكن كذلك أن يتمكن نحو 400 مليون هندي في المناطق الريفية الفقيرة من اكتساب حرية الوصول إلى رعاية صحية أفضل في العيادات الميدانية، حيث بإمكان العاملين في مجال الصحة تشخيص ومعالجة بعض الأمراض باستخدام أدوات تشخيصية قليلة التكلفة، وبرامج كمبيوتر متخصصة والربط بالأطباء عن طريق الإنترنت، وأخيراً فإن جعل الخدمات الحكومية- مثل برامج توزيع الأغذية على الفقراء- رقمية يعني أن بإمكان الهند التخلص من التسرب الذي يمنع من وصول نصف كميات الأغذية حسب تقديراتنا إلى المستحقين.

وحتى تتمكن الهند من الاستفادة الكاملة من تلك التقنيات فإنها بحاجة إلى تفكيك العوائق التي تمنع من تبني تلك التقنيات، وإن مؤشر مكنسكي لعوائق الإنترنت لخمسة وعشرين بلداً يصنف الهند بأنها جزء من مجموعة من الدول (بالإضافة إلى مصر وإندونيسيا وتايلند والفلبين) يوجد فيها عوائق متوسطة وكبيرة في أربعة مجالات رئيسة، وهي البنية التحتية والقدرة على تحمل التكاليف والحوافز والقدرة.

وحتى مع الأسعار المنخفضة للأجهزة وخطط البيانات مقارنة ببقية العالم فإن القدرة على الوصول للإنترنت بالهند بعيدة عن متناول نحو مليار شخص، كما أن تغطية الشبكة والبنية التحتية المحيطة لا تزال غير كافية، خصوصاً في المناطق الريفية، وعلى الرغم من أن 48% من الهنود بالمناطق الحضرية لديهم معرفة بالكمبيوتر فإن 14% فقط من الهنود في الريف باستطاعتهم استخدام الكمبيوتر بشكل فعال.

يجب على صناع السياسة الهنود أن يعملوا مع صناعة التقنية في البلاد وغيرها من اللاعبين في القطاع الخاص من أجل تطبيق إجراءات ستمكن من تبني التقنية، وهذه تشمل التحقق من استمرار الاستثمار في شبكات النطاق العريض الأساسية، وتأسيس معايير قابلية التشغيل المشترك، وخلق بيئة داعمة للأجهزة القليلة التكلفة.

ولتحفيز النمو في توصيل خدمات الإنترنت يجب على السلطات أن تتعامل أيضاً مع التحديات الأشمل المتعلقة بريادة الأعمال مثل الإجراءات الصعبة في الهند، من أجل البدء بنشاط تجاري جديد، وكما أظهرت تجربة قطاع الهواتف المحمولة في الهند بوضوح فإن زيادة التأثير الكبير تتطلب ما هو أكثر من ابتكار الشركات الجديدة، بل تتطلب كذلك بيئة تنظيمية تتمتع بمقاربة ليبرالية للتسعير والتصنيع والتوزيع.

وإن استدامة فوائد تبني التقنية والابتكار ستتطلب استمرار الاستثمار والتعديل من أجل التعويض عن تأثيراتها التخريبية، فعلى سبيل المثال فإن التحول التقني لعمل المعرفة– أصبحت برامج وأنظمة الكمبيوتر قادرة بشكل متزايد على تنفيذ مهمات بشرية تعتمد على الحكم والتقدير- يمكن أن يؤثر في 19 إلى 29 مليون وظيفة بحلول سنة 2025، وإن بإمكان التقنية المساعدة في خلق وظائف جديدة– وربما أفضل- من أجل استبدال الوظائف التي تمت خسارتها، ولكن هذا يمكن أن يحصل فقط في حالة قيام الأنظمة التعليمية والتدريبية في الهند بإعداد العمال بشكل كاف.

وإن بإمكان الحكومة الهندية بالتخطيط المدروس والتعاون المثمر بين المؤسسات العامة والخاصة والتنفيذ الجيد أن تمهد الطريق للتقدم التقني، فالفوائد الاجتماعية والاقتصادية لاستراتيجية ناجحة هي فوائد لا حصر لها.

* راجوناث ماشالكار رئيس التحالف البحثي العالمي ورئيس مؤسسة الهند الوطنية للابتكار، وأنو مادجافكار هي زميلة تنفيذية في مؤسسة مككينسكي العالمية.

«بروجيكيت سنديكت « بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top