أَيّام الحرير في لبنان... بهاءُ الزَّمن الساطع
عرفَت شَواطئُ لبنان الحرير منذ 2130 عاماً (سنة 115 ق.م.). جاء زمَنٌ كان مَحصول الحرير لدى عددٍ من العائلات اللبنانية يُشَكِّل 50% من الناتج الوطني. في هذا الإطار، ينظم {مركزُ التراث اللبناني} في الجامعة اللبنانية الأَميركية (LAU) بقريطم في بيروت لقاء حول {فصول تراثية لحكاية الحرير في لبنان... من بَيْضة الفراشة إِلى بَيَاض الحرير}.
كان أَثرياء الرُومان يتباهون بارتداء الثياب الحريرية. ومنذ سنة 115 (ق.م.) بدأَت الشواطئ اللبنانية تَستقبل الحرير الخام من الصين لتُحاك خيطانه ويُصبغ قماشه ويُرسل جاهزاً إلى أباطرة روما ووجهائها يخيطونه أثواباً ومشالح يرتدونها بتقديرٍ واعتزاز. عن المؤَرّخ فيليب حتي أن {كانت في بيروت وصُوْر أنوال تهيئ الحرير الخام لصَبْغه بالأُرجوان} (...) و}كان الحرير اللبناني أجود الأنواع وأغلاها: حرير طرابلس ناصع البياض لأَعمال التطريز المذهَّب والمفضَّض، حرير الشوف لأَعمال النسيج المخملي، حرير بيروت لأعمال التَّفتا والستائر وأَغطية الفُرش. وكان التجّار الفرنسيون (خصوصاً من لِيُون عاصمة الحرير) يبتاعون سنوياً من حرير لبنان بمليونَي فرنك فرنسي ذهبيّ، وبلغَت تجارة صيدا السنوية نحو مليونَي ليرة فرنسية ذهبيّ}.
مع مطلع القرن التاسع عشر بلغت صناعةُ الحرير أَوجها في لبنان. سنة 1841 أَسّس الفرنسيُّ بروسبير بورتاليس في بتاتر (الشوف) معملاً لحَلّ الشرانق وغزْل الحرير، وأَحضر من مدينته ليون غزّالات محترفات درَّبْن فتياتٍ لبنانيات، فكانت تلك أول مَرّة تغادر فيها المرأة اللبنانية بيتَها للعمل، ما أَحدث عهدئذٍ ثورةً اجتماعية في تلك البيئة الريفية التقليدية. بعدها أسّس السْكُوتلندي جون غوردان سْكُوتْ معملاً في شملان كان ثاني أَقدم معامل الحرير في البلاد، وأَصبحت زراعة التوت وتربية دود القزّ مصدرين رئيسَين لمعيشة 50،000 عائلة لبنانية (من إِحصاء سنة 1914). ونشطت حركة نقل الشرانق والحرير بين مرفأي بيروت ومرسيليا، فتأسّست شركات نقل بَحري في لبنان، ودرج إِسداءُ القروض لسماسرة وتجار دعموا بها المزارعين سلفاً لشراء محاصيلهم لاحقاً، وظهرت وكالات (كونتوارات) مالية ونشأ أوّل مصرف في لبنان ({البنك العثماني} سنة 1912). من نتائج ازدهار مواسم الحرير: توسيعُ مرفَأ بيروت، زيادةُ الناتج المحلّي وفُرَص العمل، تأسيس جامعة القديس يوسف (1875) فرعاً لجامعة لِيُون (بِدَعم تُجَّار الحرير في تلك المدينة)، ونشوءُ مدارس خاصة لإِرساليات كاثوليكية، فكان الحرير مدخلاً للُّغة الفرنسية إِلى لبنان. سنة 1912 أَصدر قنصل فرنسا العام في بيروت غاستون دوكوسّو كتابه {صناعة الحرير في سوريا ولبنان} ذكر فيه أَن {معامل الحرير في لبنان بلغَت 183 كرخانة}. وظلَّت مواسمُ الحرير مورداً أول للمُزارع اللبناني قصمه اندِلاعُ الحربِ العالمية الأُولى. مزيد من التفاصيل حول حكاية الحرير في لبنان يتناولها لقاء {فصول تراثية لحكاية الحرير في لبنان... من بَيْضة الفراشة إِلى بَيَاض الحرير}، يُشَارك فيه: - د. بطرس لبكي: كيف غيَّر الحرير وجه لبنان الاجتماعي والاقتصادي. - الأُستاذ ميشال ليُّون: الحرير في لبنان مِرفق إِنمائيّ. الأُستاذ جورج عسيلي: الحفاظ على الحرير تُراثاً لبنانياً (متحف بْسوس نَمُوذَجاً). كذلك يعرض اللقاء مجموعة صُوَر من معارض الحرير، ملابسَ وتصاميم. ويَفتَتِحه ويُنَسِّق مُداخَلاتِه مُديرُ المركز الشاعر هنري زغيب، وذلك الساعة السادسة من مساءَ الاثنين 1 يونيو المقبل.