عن رواية بعنوان {من الأرض إلى القمر» للكاتب الفرنسي جول فيرن تدور أحداثها في القرن التاسع عشر، حول مجموعة من أعضاء نادي المدفع قامت برحلة إلى القمر، من خلال طلقة مدفع صُمم لهذا الغرض، قدمت السينما الفرنسية في العام 1902 أول فيلم خيال علمي يحمل عنوان «رحلة إلى القمر» أخرجه الفرنسي جورج ميلييه، ويتناول رحلة صعود مجموعة من العلماء إلى القمر في مركبة فضائية، واحتدمت معركة بينهم وبين سكان القمر تنتهي بأسرهم لكن تُكتب لهم النجاة، ويعودون إلى الأرض سالمين.
ليست مصادفة بالطبع أن تتحمس شركة إنتاج مصرية يملكها المخرج حمادة عبد الوهاب، وتحمل اسم «أفلام الدلتا»، في العام 1959، لإنتاج فيلم آخر بعنوان «رحلة إلى القمر» كتب له السيناريو مخرجه ومنتجه، الذي اختار للبطولة: إسماعيل ياسين، رشدي أباظة، أدمون تويما وصفية ثروت والرجل الآلي «أوتو». لكن الفيلم الذي نُظر إليه بوصفه أول فيلم خيال علمي مصري اتسم ببساطة بلغت حد السطحية والسذاجة؛ حيث تبدأ الأحداث، في إطار من السرية والغموض، بوصول معدات صاروخ ألماني إلى مطار القاهرة تمهيداً لتجميعه ثم إطلاقه إلى القمر. لكن الصاروخ ينطلق، عن طريق الخطأ، وعلى متنه العالم الألماني الذي اخترعه (أدمون تويما) ومندوب هيئة الأرصاد الجوية (رشدي أباظة) وسائق بمؤسسة «أخبار اليومط» الصحافية (إسماعيل ياسين). وبدلاً من أن تصبح مهمة العالم الألماني دراسة الظواهر العلمية في الفضاء الخارجي يجد نفسه مُطالباً بوضع حد للمشاكل التي يثيرها السائق المخمور الذي يغني «يما القمر ع الباب» لفايزة أحمد ثم يطلب ورق لعب ليتسلى على متن الصاروخ الذي يحلق على ارتفاع تسعة آلاف كيلو متر! المفارقة المثيرة للدهشة أنه على عكس إشادة النقاد بتجربة الفرنسي جورج ميلييه في فيلم «رحلة إلى القمر»، الذي أنتج في العام 1902، ووصفه بأنه «سابق عصره»، من حيث طريقة تصويره، ونوعية لقطاته، وأجوائه المبتكرة، فضلاً عن أويائه وديكوراته، وموسيقاه التي ألفت له خصيصاً. فإن الفيلم المصري الذي أنتج بعد عامين من إطلاق المسبار الفضائي «سبوتنيك 2»، الذي حمل أول حيوان إلى الفضاء - الكلبة «لاكي» - في 3 نوفمبر عام 1957، شهد تراجعاً مخجلاً على الأصعدة كافة. فباستثناء الشكل الواقعي لهيكل الصاروخ وهو جاثم في صحراء حلوان، افتقدت عناصر الفيلم المصداقية المطلوبة في مثل هذه النوعية من الأفلام التي تحتاج إلى تكثيف جرعة الإبهار لدى الجمهور، فقد بدا اللهيب المصاحب للصاروخ أقرب إلى شعلة عود الثقاب، وأجهزة التحكم داخل الصاروخ وكأنها لعبة أطفال، في حين اتسمت الموسيقى بالتقليدية المعتادة في الأفلام التي تتناول موضوعات علمية، حيث الاعتماد الكامل على صدى الصوت «echo}، والأصوات الأوبرالية، لإيهام المتلقي بأنها الأصوات المنبعثة في الفضاء الخارجي، بالإضافة إلى التصنيع البدائي للأكسسوارات، كالبزة الفضائية، {الروبوت} والأجزاء الكارتونية للصاروخ! ربما عانى فيلم {رحلة إلى القمر} من هزال الموازنة، وفقر الإمكانات. لكن الأمر المؤكد أن إمكانات المخرج حمادة عبد الوهاب، الذي أخرج {اللص الشريف} (1953) و{إسماعيل ياسين يقابل ريا وسكينة} (1955) لم تؤهله للتصدي لمغامرة من نوعية فيلم الخيال العلمي {رحلة إلى القمر}، بدليل أنه غيَّر مساره بعده من السينما إلى التلفزيون. فإضافة إلى سطحية الرؤية، وسذاجة التناول، وركاكة التنفيذ، لم يفصل بين علاقة الصداقة التي تربطه والفنان إسماعيل ياسين، الذي قام ببطولة فيلميه السابقين، وبين قدسية العمل التي لا مكان فيها لصداقة من أي نوع، واختاره لبطولة {رحلة إلى القمر} في دور أقل ما يوصف به أنه {محشور}. فما علاقة سائق برحلة فضاء؟ وما مبرر وجود ممثل كوميدي يفتعل {الإفيهات} ثقيلة الدم في فيلم يمثل العلم والبحث الرصين محوراً له؟ وهو الأمر الذي ينطبق على الممثل ادمون تويما، الذي اختير لتجسيد شخصية العالم الفضائي، فما كان منه سوى أن اعتمد، بناء على تعليمات المخرج بالطبع، نفس الأداء المكرر، و{الكليشيه} الشائع، حيث المبالغة والتشنج والعصبية الزائدة، وهو ما يجعلنا حيال مجنون أو مخبول وليس عالماً بأي حال! المزية التي تُحسب لفيلم {رحلة إلى القمر} أنه يُعد وثيقة سينمائية للقاهرة نهاية الخمسينيات، حيث أظهرت كاميرا مدير التصوير فؤاد عبد الملك مطار القاهرة في شكله القديم وشوارع وميادين ضاحية مصر الجديدة. كذلك يُحسب له تأكيده الواضح أن مصر في تلك الفترة، التي أعقبت قيام ثورة 23 يوليو 1952، كانت تأخذ بأسباب العلم، حيث أوشك موظف الأرصاد (رشدي أباظة) على السفر في بعثة لدراسة الذرة، مع الكشف عن منطقة لإجراء التجارب الصاروخية!
توابل - سيما
فجر يوم جديد: {رحلة إلى القمر} !
08-06-2015