محمد إسماعيل: الإعلام الثقافي المصري يحتاج تعدد الأصوات
المدير العام للبرنامج الثقافي في الإذاعة المصرية
في مرحلة هي الأدق والأحرج في تاريخ مصر، يتولى منصبه مديراً عاماً للبرنامج الثقافي في الإذاعة المصرية، وهي أهم روافد الثقافة المصرية .
الإذاعي محمد إسماعيل يملك رؤية مغايرة لأداء الإعلام الثقافي في هذه المرحلة، ويؤكد حاجة المثقفين الماسة إلى مشروع قومي ثقافي نهضوي يحشدهم بتعدد أصواتهم وألوانهم. معه الحوار التالي.
في مرحلة هي الأدق والأحرج في تاريخ مصر، يتولى منصبه مديراً عاماً للبرنامج الثقافي في الإذاعة المصرية، وهي أهم روافد الثقافة المصرية .
الإذاعي محمد إسماعيل يملك رؤية مغايرة لأداء الإعلام الثقافي في هذه المرحلة، ويؤكد حاجة المثقفين الماسة إلى مشروع قومي ثقافي نهضوي يحشدهم بتعدد أصواتهم وألوانهم. معه الحوار التالي.
توليت منصب المدير العام للبرنامج الثقافي في الإذاعة المصرية في أعقاب ثورتين، كيف رأيت دلالة التوقيت وتأثيره على رؤيتك وأدائك؟
كان التوقيت صعباً جداً في مرحلة مفصلية تمرّ بها مصر على الأصعدة كافة، ومن بينها بالطبع الصعيد الثقافي. والعمل في الثقافة محفوف بتفاصيل ربما يستعصي التعامل معها في الظروف العادية، فما بالك في هذه الظروف الحساسة الفارقة في تاريخ الوطن. والحقيقة أننا لم نلتفت إلى هذه الحساسية كي لا نتعثر، ومن ثم فالأهداف كانت محددة والأمور واضحة. وكان علينا أن نحدد آليات العمل لتحقيق ولو بعض الأهداف. وأشير هنا إلى أن العمل في البرنامج الثقافي مسؤولية كبيرة، لأنه صرح بناه عمالقة رواد من المثقفين والمبدعين والإذاعيين .ما هي ملامح وأهم محاور هذه الرؤية؟كانت أمامنا ثلاثة محاور للعمل في المحطة. الأول، إعادة الاتصال بالمثقفين كصانعي برامج وذلك من خلال برنامجين بمشاركة بعض المثقفين من بينهم شاعر وناقد، والبرنامج الثاني لباحثة وشاعرة. يقدم هؤلاء برنامجاً عن التذوق الشعري بعنوان {تذوق الشعر} في محاولة لأن نجعل صاحب المادة يقدمها. أردنا أن ندخل إلى الشعر من جمالياته وليس من خلال الشرح الأكاديمي المعتاد، وتحقق ذلك بشكل أكدته ردود الفعل الإيجابية التي وردت لمقدمي البرنامج عبر صفحاتهم الشخصية على شبكات التواصل الاجتماعي. والبرنامج الثاني، تعامل مع الفلسفة بعنوان {أقول لكم} محاولة لتقريب الفلسفة من الناس ومزجها بالحياة اليومية. حاولنا من خلال البرنامجين الاتصال بالمثقف وجعله شريكاً في صناعة البرنامج الإذاعي. المحور الثاني هو ضرورة أن ننزل بالثقافة إلى الشارع الثقافي، بمعنى أن يكون لنا نشاط خارج الإذاعة، الأمر الذي تطلب منا التنسيق مع بعض المؤسسات من بينها قصور الثقافة. وانبثقت فكرة منتدى البرنامج الثقافي الذي سينطلق بإذن الله في أبريل المقبل في محاولة لإقامة صالون ثقافي يهتم المثقفون والنقاد بما يقدمه أعلام الثقافة. نتمنى أن يكون إضافة ثقافية حقيقية. وأخيراً، لدينا المنتدى الموسيقي الغنائي الشهري في قصر بشتاك.هل يدرك المثقفون حرج اللحظة وجسامة دورهم المنتظر؟لسنا بصدد تقييم المثقفين وموافقهم، وهو ما يمكن أن نستشفه من آراء الناس. المثقفون في واقع الأمر بحاجة إلى مشروع قومي ثقافي نهضوي ينهض بالأمة يلتفون حوله، وللأسف لا أرى بوادر لمثل هذا المشروع حتى الآن. نأمل في وزير ثقافة جديد من خارج منطق الشللية لديه مشروع ثقافي ويجمع حوله المثقفين .ما هي ملامح هذا المشروع النهضوي، كما تنشده؟ إذا كان من الممكن السعي إلى تغيير منظومة التفكير لدى المصريين فإن ذلك يتطلب جهداً كبيراً ووقتاً طويلاً لا تنفصل عنه وزارة الثقافة والإذاعات العاملة في الحقل الثقافي، ولا أتصور أن يبتعد عمل وزارة الثقافة عن وزارات الإعلام والتعليم والأوقاف والشباب، ولا الكنيسة والمسجد، ولا عن هيئة قصور الثقافة المنتشرة في البلاد. وكيف لهذه الميادين أن تنجح في الوصول إلى المواطن العادي كما وصلت ونجحت في الستينيات بالتواصل مع أفكار المواطن التي تغيرت بعد انفتاح بلا استراتيجية واضحة نتج منه التزاوج بين التطرف الديني والرأسمالية المتوحشة. جرف هذا كله وشوه منظومة القيم في المجتمع المصري .يرى البعض أن دور الإعلام الثقافي في مصر الآن هو التأسيس لوعي جديد بخطاب جديد بأدوات مغايرة، هل ترى أنه مؤهل لهذا الدور؟نمضي في مسار طويل للتطوير، يتطلَّب وقتاً. ومن ناحية أخرى، لعلك تدرك أن التراجع عصف بمصر في مجالات شتى، ولا نستثني أنفسنا من هذا ولكن نحاول أن نقدم ما تفرضه الظروف في متابعة المنتج الثقافي في التواصل مع المثقفين وتقديم ما نعتقد أنه يضيف في الظرف الحالي رؤية أو يسهم في طرح رؤية تتفاعل مع الواقع. إنما ثمة آليات لا بد من توافرها، فالموجة 91.5 إف إم التي يبث عليها البرنامج الثقافي يجب تقويتها في أكثر من منطقة في مصر لأنها لا تغطي سوى القاهرة وربما بعض ضواحيها. نريد أن يكون البرنامج الثقافي موجوداً على موجات {إف إم} أخرى لتخاطب أقاليم مصر المختلفة، وهذا مطلب عادل حتى يصل منتجنا إلى المواطن بما يمكننا من قياس مردوده.من ناحية أخرى، يجب أيضاً أن يتغير مفهومنا في التعامل مع الإعلام الثقافي ليشمل تعدد الأصوات والأفكار المبتكرة. ولا بد من أن تكون الإذاعات جزءاً من مكونات المواطن ونبضه، ومن بينها إذاعة البرنامج الثقافي التي عليها أن تعكس نبض المثقف يجب أن تعكس المدارس الفكرية المختلفة وأن تعكس التطور في التعاطي مع الثقافة لدى المثقفين وأن يكون المثقف جزءا من صناعة الإعلام الثقافي.كيف يكون المثقف جزءاً من صناعة الإعلام الثقافي؟لا نصدر للمثقف مادة مخترعة بل نحن منه وإليه، فما يقدمه المثقف سيقيمه المستعمون المثقفون. ونحاول اليوم الاتصال بالواقع الثقافي عن طريق صالونات ثقافية، ربما تكون جزءاً من مادتنا الثقافية، وما سينتج في هذه الصالونات سنقدمه في برامجنا وهذا جزء من دورنا الإعلامي .هل ثمة حل ثقافي ينهض بمصر من أزمتها؟وضوح الرؤية والشفافية وتقدير الفرد المنتج في المجتمع هي أسس رفعة الوطن، والمشروع الثقافي النهضوي الجامع لجموع المثقفين بأطيافهم وأصواتهم المتعددة هو السبيل إلى إقالة العثرة واستعادة الدور والتأثير. كذلك لا بد من أن نفتح للناس قنوات للتعبير عن آرائهم ورؤاهم ونقبل بتعدد الأصوات، ما يعزز في المجتمع ثقافة قبول الآخر. حينئذ نكون قد وضعنا أقدامنا على طريق النهضة والخلاص.