يبدو أنَّ الذين يعتبرون أنفسهم ما زالوا يحكمون سورية، يدفعون الأردن دفعاً إلى احتضان المعارضة السورية، "المعتدلة"، بالطبع، ودعمها عسكريّاً بكل وسائل الدعم، وإلا لماذا ألصق بشار الأسد تهمة مساندة "الإرهاب" وتسهيل دخوله للأراضي السورية به، وكل هذا وهو يعرف أن هذا غير صحيح على الإطلاق، ويعرف أيضاً أن المعارضين السوريين يشكون مرَّ الشكوى من أن المملكة الأردنية الهاشمية تضيِّق عليهم، إلى حدِّ أنها لم تسمح حتى لرئيس الائتلاف، الذي تعترف به كممثل شرعي للشعب السوري معظم دول العالم، بزيارة عمّان أو الإقامة فيها.

Ad

إن المسؤولين السوريين، وعلى رأسهم بشار الأسد نفسه، الذين أغضبهم أن يصمد الأردن كل هذا الصمود، وأن يتماسك داخلياً ويخيّب ظنهم بتصدير ما يسمونه إرهاباً إلى الدول المجاورة، يعرفون أن الدولة الأردنية لو اتخذت موقفاً غير هذا الموقف الذي بقيت تتخذه تجاه المعارضة السورية لكانوا غادروا دمشق منذ البدايات، ولانتقلوا إلى طرطوس أو بانياس واللاذقية، وربما إلى ضاحية بيروت الجنوبية.

إن على هؤلاء المسؤولين، الذين سلّموا مقاليد أمور الجمهورية العربية السورية لإيران و"حزب الله" وقادة "الميليشيات" الطائفية والمذهبية التي استوردوها حتى من باكستان وأفغانستان "الهزارة"، أن يدركوا أن تحرشهم هذا بـ"الأردن" قد يجبره، من قبيل الدفاع عن النفس، على تغيير قواعد التعاطي مع "كارثة" سورية التي هم سببها، وعندها فسيذوقون طعم "التدخل" وطعم دعم المعارضة السورية.

إن الواضح أن هؤلاء المسؤولين، الذين يبدو أنهم ما زالوا يعيشون في أوهام أن الكرة الأرضية تدور حولهم، لا يعرفون أن طعم لحم الأردن مرّ، وأن الأردنيين لا يقعْقع لهم بشنان وأنهم لا يسكتون على المزاح الثقيل الظل، وإن تجاوز الحدود بهذه الاتهامات الكاذبة فسيدفعهم إلى اللجوء إلى ما بقوا يتجنبونه... فالمثل يقول: "إن للصبر حدوداً"... والشعب الأردني قد يضطر، إذا استمرت هذه الاستفزازات وهذه التحرشات، إلى التخلي عن سياسة الاستمرار بالعض على الجرح.

من المفترض أن هذه الأجيال "الصاعدة" من المسؤولين السوريين تعرف أن الأردن قد تحمّل في بدايات ثمانينيات القرن الماضي من تحرشات هذا النظام السوري في عهد "الوالد" ما لم تتحمله رواسي الجبال... والسبب هو تحاشي الصدام مع دولة عربية مجاورة شقيقة وعزيزة، وهو تحاشي الاقتتال بين جيشين عربيين امتزجت دماء جنودهما على أرض الجولان في عام 1973 عندما تحركت فرقة من القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي للدفاع عن دمشق الحبيبة التي كانت مهددة باحتلال قوات "العدو الصهيوني".

إن هذا هو النهج القومي الأردني الذي نحرص على التمسك به حتى الآن... ولعل هؤلاء المسؤولين الذين يبدو أنهم مازالوا يغرقون في الأوهام ولا يُقدّرون حقيقة كل هذا الذي يجري في سورية، قد سمعوا ردَّ الأردن على مَن تحدثوا باحتمال تحريك جيشه في اتجاه دمشق: بأن هذا لن يكون إطلاقاً، اللهم إلا إذا تعرضت عاصمة الأمويين لاعتداء أجنبي، لكن بشرط ألا تتواصل وتتصاعد هذه التحرشات... عندها فإن لكل حادث حديثاً.. وهذا البلد سيبقى يمهل، لكنه إذا تعرض أمنه الداخلي لأي تهديدات فعلية فإنه عندها لن يهمل!