ما هي المواطَنة؟

نشر في 05-01-2015
آخر تحديث 05-01-2015 | 00:01
 فوزية شويش السالم لا أدري ما الذي جعلني أسال نفسي هذا السؤال: ما هي المواطَنة بالنسبة لك؟ خاصة ونحن نمر بأوضاع من القلقلة السياسية في الكويت ودول الخليج وغالبية الدول العربية. فكل الدول من حولنا تخلخلت أو تقوضت أو انهارت، وباتت مهددة بتغير كياناتها ونظمها السياسية وأوضاعها الداخلية والخارجية، سواء كان هذا التغير بإرادتها أو بواقع مفروض عليها، وبالتالي انعكست هذه التغيرات على مواطنيها بالخوف من المستقبل، ووضعهم فيه وكيفية التعامل معه.

وبالطبع، غالبية الناس يهمها أمن واستقرار الوطن، كي تستطيع أن تعيش وتعمل وتربي أولادها وتستثمر أموالها في وطن مستقر قادر على أن يوفر لها الحماية والراحة والأمان، وهو شرط الوجود ضمن حيز من المكان دون غيره يُتشبث به، لأن اسمه الوطن.

لكن في حال عدم قدرة هذا الوطن على تحقيق شرط الوجود والتواجد به فهل يبقى وطناً، وما هي الأسباب التي تُبقي العلاقة بين طرفيه قائمة حتى في حال عدم توافر شروط قيامها؟

هذا السؤال جوابه هو ما يسمى بالمواطَنة، التي تعني الشعور بالانتماء لرقعة من الأرض دون غيرها، حتى وإن كان غيرها متوافراً عند الحاجة إليه، وربما يقدم ويوفر إمكانات للحياة أفضل بكثير مما يقدمها الوجود في الوطن، لكن مع توافر كل هذه الفرص الحياتية الأفضل، لا تحصل مع ذلك على خاصية الانتماء.

فما هي المواطَنة؟ ذلك هو السؤال الذي طرحته على نفسي في ليلة رأس السنة وأنا أنتقل لبداية عام جديد، أحلم فيه بالأمن والاستقرار مطلبين أساسيين لوطني ولي ولأولادي ولكل من في الكويت، فأمن الكويت واستقرارها باتا ضروريين وسط هذه الهوجة الجحيمية التي أضحت تلتهم دولاً عديدة حولنا وأصبحت تقترب منا، ما جعل البعض يبحث عن مكان آخر يهرب إليه كملجأ آمن يحميه ويحمي أولاده في حال، لا سمح الله، امتد إلينا لهب من حولنا.

وبجرد حساب حياتي، وجدت أنه بالرغم من إقامتي في بريطانيا لمدة نصف السنة، التي تمثل شهور الصيف الستة، فإنني لم أشعر بالانتماء لها، مع كل عشقي لطبيعة إنكلترا الرائعة الباذخة في جمالها وتنوعها، وثراء ثقافتها وانفتاحها على الآخر وتقبله بكل أشكاله، وطبيعة شعبها الهادئ الأقرب إلى البرود، ما يتناسب تماماً مع طبيعتي وطريقة تفكيري، ويسهل عليّ العلاقة الاندماج والتفاهم معه، ومع كل هذه المميزات التي تسهل العيش وتجعل الحياة حيوية مفعمة بالثراء الثقافي المحاط بطبيعة ساحرة تعيد طاقة الإنسان وتجددها، ومع كل حبي، إلا إني لا أشعر بالانتماء لها مهما طالت إقامتي، ومهما كثرت السنون التي عشتها فيها، تبقى إنكلترا بلداً أحبه وأعشق طبيعته لكني لا أنتمي إليه.

البلد الثاني الذي تنتمي إليه دمائي ومنه جاء نسغي وأسلافي ومع ذلك لم أشعر يوماً ما بانتمائي له، هو إسطنبول، فمهما تكررت زياراتي لها تبقى مشاعري محايدة وكأن ليست لي فيها حصة، وليست دمائي تحمل الكثير منها.

البلد الثالث مصر، التي أذوب في هواها ولا أعرف لهذا العشق أي سبب أو مسببات، وهو الأمر المحير الذي بحثت عن أسبابه حتى تعبت ولم أعرف له جواباً أو مبرراً، فقط حب أعمى جارف عاشق لها بكل ما فيها بحلوها ومرها، بسلبياتها وإيجابياتها، بطبيعتها بشجرها وحجرها وناسها، ولكن مع كل هذا الحب المتسلط الأعمى لم يشعرني بالانتماء لها، لماذا؟ لا أدري!!

فقط هي الكويت وحدها من تشعرني بالانتماء لها، فهي من أجد فيها الراحة والشعور بالاستقرار والسكن والسكينة، وفيها توقف العالم عن الهرولة والدوران وارتاح في سريره ومهده. صحيح قد لا تمنحني المتعة التي أحصل عليها من بلادي الأخرى التي ذكرتها، لكنها تمنحني الشعور بالاستقرار وأنني في مكاني وبيتي الذي يخصني ولي فيه كل حقوقي وسلطتي ونفوذي، وأني "أمون عليه وهو يمون علي"، وأعرفه ويعرفني ولا "نستغني" عن بعض.

وفي النهاية، الكويت هي المكان الذي أرغب أن أُدفن فيه وليس في بلادي الأخرى.

إذن المواطَنة هي الشعور بالانتماء لمكان يسمى وطناً ترغب في النهاية أن تُدفن فيه.

back to top