يشهد الوسط الثقافي المصري «عصر السيولة الأدبية»... كما يصفه نقاد وأدباء كثر جراء سيل إصدارات أدبية ينتجها شباب مختصرين طريق «الألف ميل» إلى الإبداع ببضع خطوات يجتازونها بنقرة على مفتاح حاسوب، إذ ينقلون كتاباتهم الفيسبوكية وتغريداتهم إلى كتاب. حتى إن هؤلاء يقيمون حفلات التوقيع ليصيروا بعدها نجوماً في سماء الإبداع، متجاوزين القراءات النقدية الجادة كافة.
«حبيبتي» كتاب لمطرب فرقة «كايروكي» زاب ثروت، و{روبابيكا» للشاعر وليد ديدا، حازا إقبالاً جماهيرياً واسعاً في حفلات التوقيع في معرض القاهرة الدولي للكتاب أخيراً، إضافة إلى أعمال لشباب آخرين من بينها «قط بلدي»، و{برطمان نوتيلا»، و{جزء من كل».• محمد هاشم: مشاريع مماثلة في الستينياتيؤكد الناشر محمد هاشم، صاحب دار «ميريت» للنشر، أن هذه الظاهرة من موجات الكتَّاب الجدد أشبه بمرحلة في الستينيات أصدر فيها ستة كتَّاب مجلداً قصصياً مشتركاً ومغايراً للمفاهيم السائدة آنذاك ويشبه ملامح عصره، فأحدث ضجة في الأوساط الثقافية، تماماً كما فعلت خيمة المطرب «زاب ثروت» في معرض الكتاب في القاهرة أخيراً، والتي عجَّت بحضور غير مسبوق، لم يحظ به إلا شعراء بحجم محمود درويش والأبنودي. وفي العام 1960، تبنى يحيى حقي تلك المشاريع وأعتبرها «مدرسة أدبية».يستطرد هاشم أنه لا يقصد تقييم محتوى الكتاب وعباراته، إنما يرصد حالة تستحق التوقف حول جيل جديد يعبِّر عن نفسه ثقافياً بشكل حداثي، فهي ظاهرة تتطلَّب دراستها بعناية ومن ثم تحديد ملامح المدارس الجديدة، لأننا أمام مجموعة لاعبين جدد على المسرح الثقافي لا يلتزمون بشكل معين للنص، وإنما ينتحون كتابات متمردة، وكثير من الكتب الصادرة في هذا المجال عبارة عن قصص لا مقالات ولا قصائد.واختتم هاشم حديثه بأن تلك الظواهر الجديدة ليست {شيطانية النبتة}، وإنما تأتي ضمن سياق طبيعي من التطور الثقافي، يتحتَّم عليه التسلح بسياق تاريخي يتناول واقع الناس الفكري والاجتماعي فيمنعه من الزوال والاندثار.• شعبان يوسف: ستتبعهم إبداعات شتىويذكر الكاتب والناقد شعبان يوسف أن المجموعات المبتكرة في الستينيات اقتصر أثرها على التجديد في شكل القصة الفني، ولكن كتَّاب اليوم يخالفون تماماً الذوق السائد، موضحاً أن مجموعة الكتاب التي رعاها يحيى حقي تشتت وكانت أول نبته تمرد أدبي في أعقاب ثورة يوليو، وتغييراتها كانت محدودة، على عكس الطبقة من الشباب التي تملأ بأصواتها فضاءات افتراضية عبر مواقع التواصل، وحتى صفحات الكتب بفعاليات مهمة كمعرض الكتاب الدولي.ويضيف يوسف أنه كلما ظهر لون معين من الإبداع في شكل جديد، تبعته سلسلة ظواهر تنبثق عن شكل المرحلة. وربما لا يقتصر الأمر على فئة الكتّاب الجدد بمضامينهم الجديدة البراقة، وإنما قد يمتد إلى جيل جديد من الشعراء ورواد النحت والفن التشكيلي، مؤسساً لجماعات ثقافية وظواهر أدبية فريدة عبر صالات عرض ومجلات وتجمعات تحتاج إلى مؤرخين على المستوى نفسه من الحداثة والتطور.• صفوت العالم: وسائط التكنولوجيا انعكست على الإبداعبدوره يقول صفوت العالم، أستاذ الرأي العام في كلية الإعلام، إن وسائط التكنولوجيا الحديثة ذات انعكاس مباشر على الخط الأدبي وحركة الإبداع، مؤكداً أن إطلالات الشباب أخيراً على الفيسبوك تجعل منهم مشاريع كتَّاب بشكل مختلف. ويوضح أن الفضاءات الرقمية باتت نوافذ سرد غير معني بالبناء ولا بتحديد موضوع للكتابة أو شكلها.وأضاف العالم أن الجديد في هذه النوافذ الإعلامية الرقمية كسرها النمط السائد من مدارس الأدب التقليدية، فكثير من الكتاب رأيناهم في معرض الكتاب في القاهرة أخيراً لا يمكن تصنيفهم أيديولوجياً، ويعبرون عن أنفسهم بطريقة تشبههم بكتابات خفيفة الظل مزدحمة بخيالات وحوارات وهمية، مشيراً إلى أن المختلف في تلك الشريحة الجديدة من الكتاب مخاطبتها نفسها قبل الآخرين.• صالح سليمان: جيل منطلقالدكتور في كلية الآداب جامعة عين شمس صالح سليمان يحذر من إهمال تلك الوجوه الجديدة من أبناء الوطن، ويوضح لـ {الجريدة} أن خروج الشباب عن السائد قد يكون أحد أكبر الأسباب التي ستمنع جهات عدة من التعاطي معهم، وأنهم حتى لو قلبوا {موازين الكتابة}، وهو ما لن يرضي كثيرين من أصحاب الاعتراضات المنطقية، إلا أننا يجب ألا نغفل شريحة واسعة من المهتمين بهذه الكتابات في أوساط شبابية وإلكترونية كثيرة. عن مستقبل هؤلاء الشباب، يحذر سليمان من أن استمرار تجاهل المؤسسات الثقافية والوزارات والأحزاب لتلك العقول، ستؤدي إلى {الهجرة}، وهي الحل الوحيد أمام جيل يتسم بـ{الانطلاق} وصعوبة السيطرة عليه، وحينها سنخسر جيلاً كاملاً بهواجسه وأحلامه ونظل داخل {القوقعة}، على حد تعبيره.
توابل - ثقافات
فيسبوكيات وتغريدات في كتب... سيولة أم انفجار إبداعي؟
05-03-2015