قوة الصين الإقتصادية المشكوك فيها

نشر في 13-11-2014
آخر تحديث 13-11-2014 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت مؤخراً، أعلن البنك الدولي أن حجم اقتصاد الصين سيتجاوز مثيله بالولايات المتحدة هذا العام، قياساً إلى تعادل القوة الشرائية، ولكن هذا بعيد عن كونه تصويراً شاملاً لموقف الصين الاقتصادي العالمي.

فرغم أن تعادل القوة الشرائية يمكن أن يخدم بعض الأغراض بمقارنة مستويات الرفاهة بين البلدان، فإنه يتأثر كثيراً بحجم السكان، فالهند، صاحبة عاشر أضخم اقتصاد عالمي قياساً إلى سعر صرف الدولار الأميركي والروبية الهندية، تملك ثالث أكبر اقتصاد قياساً بتعادل القوة الشرائية، وعلاوة على ذلك فإن موارد القوة، مثل تكلفة النفط المستورد أو محرك طائرة مقاتلة متطورة، يمكن الحكم عليها أفضل وفقاً لأسعار صرف العملات التي لابد أن تستخدم لسدادها.

لا شك أن الحجم الإجمالي يشكل جانباً مهماً للقوة الاقتصادية، كما أن لدى الصين سوقاً جذاباً، وهي أكبر شريك تجاري لدول كثيرة، وهو مصدر مهم للنفوذ لا يتردد قادتها في استخدامه. ولكن حتى إذا تجاوز الناتج المحلي الإجمالي الصيني نظيره في الولايات المتحدة (بأي مقياس)، فسيظل الاختلاف كبيراً بين هياكل ومستويات تطور الاقتصاد في البلدين؛ فنصيب الفرد في الدخل بالصين 20% من نظيره الأميركي، وسيتطلب الأمر عقوداً قبل أن تتمكن الصين من اللحاق بالولايات المتحدة بهذا الصدد. علاوة على ذلك، وكما اعترف مسؤولون وباحثون صينيون، فبرغم تجاوز الصين لألمانيا عام 2009 بوصفها أكبر دولة مصدرة، فإنها لم تتمكن بعد من التطور إلى دولة تجارية "قوية" حقا، نظراً لضعف التجارة في الخدمات والإنتاج ذي القيمة المضافة المنخفضة، كما تفتقر الصين إلى العلامات التجارية الدولية القوية التي تتباهى بها قوى تجارية عظمى كالولايات المتحدة وألمانيا؛ والواقع أن 17 من أفضل 25 علامة تجارية عالمية هي أميركية. وينعكس تأخر التطور الاقتصادي الصيني أيضاً في أسواقها المالية، والتي لا يتجاوز حجمها واحداً على ثمانية من الأميركية، حيث لا يُسمح للأجانب بتملك ما يزيد على نسبة ضئيلة من الديون الصينية، ورغم أن الصين حاولت زيادة نفوذها المالي عبر تشجيع استخدام عملتها دوليا، فإن التجارة المقومة بالرنمينبي تظل تمثل 9% فقط من الإجمالي العالمي، مقارنة بحصة الدولار البالغة 81%.

ولن تكون حتى احتياطيات الصين الضخمة من العملات الأجنبية، وهي الأكبر في العالم بنحو 4 تريليونات دولار، كافية لتعزيز نفوذها المالي، ما لم تتمكن السلطات من إنشاء سوق عميق ومفتوح للسندات، مع تحرير أسعار الفائدة وتبني عملة قابلة للتحويل بسهولة.

تحتفظ الصين بالدولارات التي تتلقاها من صادراتها إلى أميركا، في حين تساعد الولايات المتحدة من خلال الإبقاء على سوقها مفتوحاً أمام المنتجات الصينية في توليد النمو وفرص العمل والاستقرار بالصين، وصحيح أن الصين قادرة على توجيه ضربة بالغة القوة للاقتصاد الأميركي ببيع مبالغ ضخمة من الدولارات بسعر زهيد، لكن هذا لن يحدث دون أن توجه إلى نفسها في ذات الوقت ضربة بالغة الخطورة.

وتمتد الفوارق بين الصين وأميركا من حيث التطور الاقتصادي إلى التكنولوجيا أيضا، فبرغم بعض الإنجازات المهمة، تعتمد الصين على استنساخ إبداعات أجنبية أكثر من اعتمادها على الإبداع المحلي لتعزيز تقدمها التكنولوجي، ورغم أن الصين تصدِّر براءات اختراع أكثر من أي وقت مضى، فإن قِلة من هذه البراءات تمثل إبداعات رائدة، وكثيراً ما يشكو الصينيون أنهم ينتجون الوظائف في تصنيع الآي فون ولكنهم لا ينتجون ستيف جوبز. وفي العقود المقبلة، سيتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي في الصين، كما يحدث في كل الاقتصادات بمجرد بلوغها مستوى معيناً من التطور، وفي نهاية المطاف، لا تستطيع الصين أن تعتمد على التكنولوجيات المستوردة والعمالة الرخيصة لدعم النمو إلى الأبد. وقد خلص الخبيران الاقتصاديان لانت بريتشيت ولورانس سامرز من جامعة هارفارد إلى أن الارتداد إلى المستوى المتوسط من شأنه أن يجعل نمو الصين السنوي 3.9% خلال عقدين. ولكن هذا التقدير الإحصائي الصريح لا يأخذ في الحسبان المشاكل الخطيرة التي يتعين على الصين أن تعالجها في السنوات المقبلة، مثل اتساع فجوة التفاوت بين المناطق الريفية والحضرية وبين الأقاليم الساحلية والداخلية، ومن بين التحديات الكبرى الأخرى القطاع الحكومي المتضخم وغير الفعّال، والتدهور البيئي، والهجرة الداخلية بأعداد كبيرة، وشبكة الأمان الاجتماعي غير الكافية، والفساد، وضعف سيادة القانون.

وعلاوة على ذلك، ستواجه الصين ظروفاً ديموغرافية سلبية متزايدة الحدة، فبعد فرض سياسة الطفل الواحد لأكثر من ثلاثة عقود، أصبحت قوة العمل قريبة من بلوغ ذروتها بحلول عام 2016، ومن المنتظر أن يتجاوز عدد السكان المسنين المعالين عدد الأطفال بحلول عام 2030.

لقد أظهر النظام السياسي الاستبدادي في الصين قدرة مبهرة على تحقيق أهداف معينة، ولكن ما لم تصبح حكومة الصين جاهزة للقيام به حتى الآن هو الاستجابة الفعّالة للمطالبة بالمشاركة السياسية، والتي تميل إلى مرافقة ارتفاع نصيب الفرد في الناتج الإجمالي. ولكن هل يحدث التغير السياسي عندما يقترب نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي الاسمي، وهو الآن نحو سبعة آلاف دولار، من مستوى عشرة آلاف، كما حدث في كوريا الجنوبية المجاورة أو تايوان؟

ولا أحد يستطيع أن يجزم بعد: هل الصين قادرة على وضع صيغة لإدارة الطبقة المتوسطة الحضرية المتزايدة، والتفاوت بين الأقاليم، وفي العديد من الأماكن الأقليات العرقية المتوترة، وقد يؤدي تأخر تطورها الاقتصادي إلى تعقيد الأمور أكثر، وهو في كل الأحوال يعني أن مجموع الناتج المحلي الإجمالي غير كاف لتحديد متى تتمكن الصين من التفوق على الولايات المتحدة في القوة الاقتصادية، أو هل يمكن أن يحدث ذلك على الإطلاق؟!

* جوزيف س. ناي | Joseph Samuel Nye ، أستاذ في جامعة هارفارد، ومؤلف كتاب "هل انتهى القرن الأميركي؟"، ومؤخرا تولى الرئاسة المشتركة لمناقشات مجموعة أسبن الاستراتيجية لتنظيم الدولة الإسلامية والتطرف في الشرق الأوسط.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top