يوم أن كنا ننزل ضيوفاً على مهرجان دمشق السينمائي الدولي، رد الله غيبته، كانت الفرحة تغمرنا في اللحظة التي نغادر فيها بهو استقبال فندق  «الشام»، ونذهب إلى حجرة خصصتها الإدارة لتسليم الضيوف حقيبة المهرجان، التي كانت تحتوي على ما يقرب من 22 كتاباً ضمن ‏سلسلة «الفن السابع»، التي تصدر عن وزارة الثقافة والمؤسسة العامة للسينما في الجمهورية العربية السورية. ومن دورة إلى أخرى، أسهم مهرجان دمشق السينمائي في تدشين مكتبة سينمائية ضخمة في بيت كل ضيف من ضيوف المهرجان؛ خصوصاً النقاد والسينمائيين، تغطي الأوجه المختلفة لصناعة الفيلم، وتكرس الثقافة السينمائية في أجمل معانيها؛ فمن دهاليز السينما الفلسطينية في القرن العشرين انتقلنا إلى خبايا السينما الإسكندنافية، وكما أبحرنا مع فيلليني رسونا على شاطئ «ستانلي كوبريك»، وتعرفنا إلى مسيرة الهندي ساتيا جيت راي وعالم الإسباني لويس بونويل، ولم نكد نستفيق من صدمة الرحيل المفاجئ للمتمرد جيمس دين حتى نسينا أنفسنا مع سحر الأسطورة مارلين مونرو!

Ad

هكذا عودنا مهرجان دمشق السينمائي الدولي، وهكذا فعلت سلسلة «الفن السابع»، بكل زائر لعاصمة الثقافة العربية، ووقتها كناـ كضيوف على المهرجان ـ نتأسى لحال مهرجاناتنا السينمائية المصرية، ونتساءل عن السر وراء اهتمامها المبالغ فيه بالنجوم، وكرنفالات التعري التي تتكرر من دورة إلى أخرى، وتجاهلها غير المبرر للثقافة السينمائية، والجانب الآخر الذي تفتقده تظاهراتنا الفنية!  

لهذا السبب شملتني سعادة كبيرة، وفرحة عارمة، بمجرد إعلان الناقد سمير فريد، في الأيام الأولى لتوليه مهام منصبه كرئيس لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، أن الدورة السادسة والثلاثين (9 - 18 نوفمبر 2014) ستشهد إصدار باقة من الكتب السينمائية التي تمثل إضافة إلى المكتبة العربية، وكان حاسماً عندما حدد عددها باثني عشر كتاباً، لكن راودني الشك في قدرته، ورغبة المهرجان الذي استمرأت إداراته السابقة إهدار الأموال على البهرجة والمظاهر الفارغة، على إمكان تحقيق الحلم الذي طالما راودنا، وسعينا إلى الوصول إليه، وكانت المفاجأة السارة عندما أصبحت الدورة السادسة والثلاثين على الأبواب، وأكدت الأنباء الواردة من المطبعة أن اثني عشر كتاباً صارت جاهزة للتداول مع أول أيام المهرجان، وبينها ما يتوقف عند سير حياة مبدعين راحلين مثل المخرجين الكبار: «بركات» تأليف كاتب هذه السطور، «فطين عبد الوهاب» تأليف أشرف غريب  و{كمال سليم» تأليف وليد سيف والممثل المخضرم «حسين صدقي» تأليف ناهد صلاح ويشمل «حوارات سينمائية» تأليف نبيل فرج، بالإضافة إلى عدد من القضايا الفنية مثل: «الكتابة بالضوء» ومحطات مهمة مثل: «سينما ماركيز» تأليف عصام زكريا، «السينما الكردية» تأليف إبراهيم الحاج عبدي و{السينما العربية» تأليف محمود قاسم و{الأفلام المصرية في المهرجانات الدولية» تأليف أمل الجمل وكتاب عن فقيد النقد والإعلام غسان عبد الخالق تأليف محمود الغيطاني وفقيد الصحافة المصرية خالد السرجاني تأليف إبراهيم منصور.  

الأمر المؤكد أن ضيوف الدورة السادسة والثلاثين لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي على موعد مع حصيلة وافرة من الكتب التي تمثل إضافة إلى المكتبة السينمائية العربية، وتعوض المكتبة العربية بوجه عام  عن الفقر الواضح في مثل هذه النوعية التي لا يُلقي الناشر العربي لها بالاً أو اعتباراً قدر اهتمامه العجيب والمُخزي بكتب السحر والدجل والطبخ والأبراج، وهو ما يعني أن الأمل في إثراء المكتبة الثقافية العربية بكتب متنوعة تُلقي الضوء على المدارس والتيارات السينمائية في العالم، وتهتم بتقديم سير حياة، وأعمال، أباطرة التمثيل والإخراج في مصر والعالم، وتتولى تعريف الاتجاهات التي تموج بها صناعة السينما في المنطقة العربية والعالم، وتباشر توثيق الأفلام، كما فعلت سلسلة «الفن السابع» السورية عندما قدمت للقارئ العربي سيناريو فيلم «روما فيلليني»، أصبحت المهمة الصعبة، والنبيلة، الملقاة على عاتق القيمين على مهرجاناتنا السينمائية العربية، ممن ينبغي عليهم أن يوجهوا أموال وموازنات مهرجاناتهم، الوجهة السليمة التي تصب في خدمة الثقافة السينمائية، مثلما تعود بالنفع على عشاق ومحبي السينما، وتروي قلوب المتعطشين لكلمة تروي ظمأهم أو اصطلاح يقودهم إلى معرفة بهذا الفن الذي غير مفاهيم كثيرة في الأذهان، وهذه الصناعة التي بدلت معطيات كثيرة على أرض الواقع!

12 كتاباً في الثقافة السينمائية يتم طرحها مع الدورة

الـ36 لمهرجان القاهرة السينمائي خطوة مهمة لكنها لن تؤتي ثمارها إذا لم يستمر العمل بهذا النهج الرائع دورة بعد أخرى؛ فالتراكم مطلوب، والتقليد الذي لا يتغير، ولا يرتبط ببقاء الناقد سمير فريد في موقعه كرئيس للمهرجان في الدورات المقبلة أو مغادرته، استراتيجية علينا أن نتشبث بها جميعاً!