أغرب ما في الفيلم المسمى «جمهورية إمبابة»، الذي كتبه مصطفى السبكي وأخرجه أحمد البدري، أنه انتهى بمقتل كل من شارك فيه، فالبطل «حسن» (باسم سمرة) لا يكتفي بقتل غريمه المعلم «ياسين» (أيمن قنديل) وإنما يلغ في دمه ويلتهم قلبه، والفتاة المُغرر بها «ميادة» (علا غانم) تطعن حبيبها «ذوق» (محمد فاروق)، وتتشفى فيه وهو يلفظ أنفاسه، بينما تُقتل «نهلة» (الراقصة كاميليا) ربما لأنها «حملت في الحرام»، ولحق بها «طه» (أحمد وفيق) كونه شريكها في الإثم. والأمر نفسه بالنسبة إلى المرأة اللعوب «سوزي» (إيناس عز الدين) التي تدفع ثمن خيانتها. ولولا أن الرقابة اعترضت، في ما يبدو، على قيام «حسن» بإطلاق الرصاص على قوات الشرطة، لحظة القبض عليه، لأمكنه قتل الجميع!

Ad

يقدم «جمهورية إمبابة» الحارة المصرية في أسوأ صورها، فإضافة إلى الزيف والصنعة والتكلف، تخاصم الواقعية (ديكور خالد ناجي)، وتقطر ضحالة وبلادة وفجاجة وتقليدية وسطحية، بينما يبدو الدم مُستباحاً، ويقفز بغزارة في وجوهنا، بالدرجة التي تدفعنا إلى الشك بأن أصحاب الفيلم «ساديون»!  

يبدأ الفيلم بتقديم أهل الحارة، حيث الشاب {طه} الناقم على وضعه فيستغل أزمة السولار، ويبيع الجاز المغشوش، وسائق الميكروباص المكافح {حسن}، الذي يعشق {سلمى} (فريال يوسف) لكن شقيقها البلطجي {ذوق} يسعى إلى استثمار جمالها بأن يزوجها لتاجر المخدرات، وهو نفسه الذي يُغرر بجارته {ميادة} التي تحبه، لكنها لا تجد ما يحول دون موافقتها على بيع جسدها بحجة الخلاص من الفقر، وجمع الأموال التي تعجل بزواجهما. ثم تنتقل الكاميرا فجأة، إلى ملهى ليلي بحجة أن {طه} يعمل فيه، ونُدرك، على الفور، أن الانتقال كان مطلوباً لتقديم الفقرة المعتادة للراقصة ذات الأرداف المثيرة، والصدر العاري، ومعها المطرب الشعبي، بالإضافة إلى مؤخرات وصدور الفتيات التي تترجرج أمام الكاميرا من دون حساب، فالمنتجان (ريهام صبري وطارق عبد العزيز) لم يكتفيا بالاستعانة بأحد أفراد عائلة {السبكي} ليكتب، وأحمد البدري الذي يدين للعائلة بالكثير ليخرج، وإنما استعارا {الخلطة السبكية} المعروفة، حيث المكان القبيح، والشخصيات الشائهة، وكل ما يكرس الذوق المنحط، ورغبة من جانبهما في تحقيق المزيد من النجاح تجاوزا {الجرعة السبكية}، وشجعا السيناريست والمخرج على تقديم راقصة ومطرب بين المشهد والآخر، وإطلاق {الإفيهات السمجة} (عليها جسم يودي القسم / أولها كلام وآخرها برشام / اللحم الرخيص الناس عليه بتهيص)، والاحتفاء بالعُهر الأخلاقي، والغرق في وحل المراهقة السياسية (الظلم الاجتماعي يدفع الفقراء إلى أشرار يستعذبون الفساد والرذيلة)!

لا تصدق الزعم بأن غياب قبضة الأجهزة الأمنية، وضياع هيبة الدولة، متعمدٌ للإيحاء بأن إمبابة أصبحت {جمهورية داخل الجمهورية}، فهي محض ادعاءات وافتراءات مثلها مثل المواقف العشوائية، والانقلابات الفجائية، التي امتلأ بها الفيلم، ولم يكلف أصحابه أنفسهم اطلاعنا بمبرراتها الدرامية، فابن البلد... الشهم {حسن}، الذي لا يقبل العيب ويرفض الحرام يتحوَّل إلى مجرم محترف ما بين طرفة عين وانتباهتها، ويتحوَّل إلى واحد من أساطين تجارة السلاح والمخدرات والآثار وغسيل الأموال. والحبيبة {سلمى} تقبل الزواج من تاجر المخدرات بحجة أنها تضحي لإنقاذ حبيبها. و{طه} المُضرب عن الحب والزواج يتراجع عن قراره، عقب اكتشافه أن عشيقته الراقصة {حامل}، بينما صديقتها {سوزي} تتحرش بابن الحارة، الذي يتجاهلها، وتثأر منه بأن تنضم إلى عصابة أعدائه. ويصبح تاجر المخدرات الآمر الناهي في الحارة، وتصل سطوته إلى الدرجة التي يتخذ فيها قراراً بطرد {حسن} وأمه من دون أن يتحرك {شنب} في الحارة المطلوب منا أن نصدق أنها {شعبية}، ثم يعود ليحرق بيتهما، والأم في داخله!

أزعم أنني لم أر في حياتي فيلماً يُعاني خللاً في الرؤية، وفي تسكين الأدوار، والعجز عن إدارة الممثلين، كما هي الحال في {جمهورية إمبابة}، حيث الرقص والغناء {على قفا من يشيل}، والأداء الضعيف ليس مقصوراً على باسم سمرة، أحمد وفيق، فريال يوسف وعلا غانم، الذين كانوا في أسوأ حالاتهم، وإنما ينسحب على أيمن قنديل الذي جسد القبح شكلاً ومضموناً، ومحمد فاروق الذي ينبغي عليه أن يتلقى دروساً في كيفية أداء أدوار الشر، فما يفعله، ومعه مراد فكري وإيناس عز الدين، لهو دليل صارخ على أن {التمثيل مهنة من لا مهنة له}.

في العام 2005، قدَّم الكاتب الكبير وحيد حامد فيلماً بعنوان {دم الغزال} رصد فيه تدشين ما سمي وقتها بـ {جمهورية إمبابة الإسلامية} على يد {أمير} كان في الأصل {طبالاً} (!) ومع انتصاف عام 2015 نجد أنفسنا أمام فيلم يزعم أصحابه أنه يرصد القبح والعنف والعشوائية بينما هو مستنقع للقبح والسادية!